بعد أكثر من ثلاثة أعوام على اندلاع الأزمة في سوريا، يبدو أن طرفي النزاع في العاصمة دمشق نقلا القتال إلى تحت الأرض حيث تشهد الأنفاق على حرب من نوع آخر.
وفي هذه الحرب، تستعمل القوات الحكومية وفصائل المعارضة في الأنفاق الممتدة تحت المدخل الشرقي لدمشق، الأسلحة التقليدية وتقنيات متعددة منها التنصت والمكر والتسلل.
وعلى صعيد "الحفر المضاد"، يقول أحد ضابط الجيش لفرانس برس "نعتمد بالدرجة الأولى على آذاننا. عندما نتمكن من تحديد مصدر الضجيج.. نحفر في اتجاه الهدف".
ويضيف النقيب، الذي عرف عن نفسه باسم مازن، "ثم تحصل المفاجأة: إما نجد المسلحين أمامنا وتقع معركة ومواجهة مباشرة، وإما نسد لهم نفقهم، وإما نستخدمه لصالحنا".
معركة الأنفاق والأنفاق المضادة
معركة الأنفاق والأنفاق المضادة يشهدها حي جوبر الواقع في شرق العاصمة، الذي يشهد معارك يومية بين طرفي النزاع اللذين يتقاسمان السيطرة عليه.
ويعد هذا الحي الدمشقي محورا استراتيجيا لقربه من ساحة العباسيين التي يمثل وصول المقاتلين إليها تهديدا جديا للعاصمة، التي تعد نقطة ارتكاز نظام الرئيس بشار الأسد.
ويمكن رؤية حفرة عمقها سبعة امتار في موقع النقيب مازن، وهي تقود إلى "غرفة مراقبة" وضعت فيها أجهزة كومبيوتر وشاشات متصلة بكاميرات منصوبة في الأنفاق التي حفرتها القوات الحكومية.
حرب "ناعمة".. وأخرى "فعلية"
ويشرح أحد العسكريين أن المعارك في جوبر تقسم إلى قسمين: أولهما "حرب ناعمة" تدور فوق الأرض، وتشمل نشر كل طرف قناصة تابعين له في مبان تبعد عن بعضها أمتارا قليلة احيانا.
أما القسم الثاني، فيتمثل بـ"الحرب الفعلية" التي تدور تحت الأرض، حسب أحد العسكريين الذي يقول وهو جالس قبالة جهاز كومبيوتر "هنا توجد مدينتان: واحدة فوق الأرض، وأخرى سفلية حيث نتواجد، وهي أكثر واقعية من الأولى".
ويتفادى الطرفان المتقاتلان حفر الأنفاق على مستوى واحد، إذ أن ذلك يجعل عملية كشفها سهلة بالنسبة إلى الخصم. ويشبه الوضع لعبة "القط والفأر"، حين يحاول كل طرف تفادي الآخر، أو خداعه لكشف مخبئه.
استراتيجية الأنفاق
ويستخدم مقاتلو المعارضة منذ أشهر عمليات تفجير الأنفاق في مناطق عدة تشهد معارك، وتصل تلك الأنفاق إلى مواقع عسكرية أو مراكز تجمع للقوات الحكومية، كما تهدف إلى تأمين خطوط إمداد للمناطق المحاصرة.
وبالإضافة إلى أنها ترمي أيضا إلى تسلل مقاتلي المعارضة إلى المواقع العسكرية الحكومية، يهدف تفجير الأنفاق إلى فتح طريق إلى موقع آخر، وأبرز هذه التفجيرات حصلت في حلب وإدلب.
وتحت عنوان "حرب الأنفاق"، يوضح تقرير للمكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية التابعة للائتلاف المعارض أن "الثوار يقضون شهورا لإنجاز الحفر والوصول إلى النقطة المستهدفة..".
أما الباحث في الشؤون الاستراتيجية، سليم حربا، فيؤكد من في مقره في دمشق، على عدم وجود شبكة انفاق متشعبة في العالم، "كتلك الموجودة في سوريا حاليا".
ويشير إلى أن الظاهرة "انطلقت في حمص في 2012. ومنذ ذلك الحين، اكتشف الجيش 500 نفق في البلاد"، لكنه يرجح "أن عدد الأنفاق المحفورة هو ضعف ذلك".