القبض على قيادات الإخوان المسلمين لا يعني نهاية الإسلام السياسي في مصر، لكنه سيفرض على الجماعة إعادة تشكيل صفوفها وتقديم جيل جديد من الكوادر بديلا عن الأجيال القديمة التي لم تعد مشاركتها في الحياة السياسية مقبولة من السلطات الحاكمة ومن قطاع عريض من الشعب.
فبعد أن وصلت الجماعة إلى سدة الحكم في مصر محققة المطمح الذي عملت بدأب على تحقيقه طيلة 85 عاما، تمت إزاحتها من السلطة وعزل وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الرئيس محمد مرسي، المنتمي إلى الإخوان، إثر تظاهرات حاشدة خرج فيها الشعب المصري بعشرات الملايين مطالبا بتنحي أول رئيس منتخب ديموقراطيا، بعد عام واحد فقط من انتخابه.
ضربات متتالية
ثم توالى هذا الأسبوع علميات القبض على عدد كبير من قيادات الصف الأول من الجماعة كان أبرزها اعتقال المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع والقيادي الإسلامي المقرب من الجماعة صفوت حجازي ثم أحمد عارف، المتحدث باسم الجماعة في مصر. وتم حبسهم احتياطيا على ذمة التحقيقات ووجهت لهم تهم تتراوح بين التحريض على العنف والتحريض على القتل.
وخرجت أصوات تنبئ بانتهاء الإخوان المسلمين سياسيا وشعبيا، بل ذهبت هذه الأصوات إلى إعلان نهاية ظاهرة الإسلام السياسي برمته في مصر.
"على العكس، فالحكومة مواربة الباب لأي مشاركة مستقبلية في الحياة السياسية لمن يؤمن من الإخوان بالتفاوض معها"، حسب كمال حبيب، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية.
هذه المشاركة متوقفة في نظره على قدرة الجماعة على تقديم "وجوه جديدة لها صوت إصلاحي أو صوت يبعد عن التشدد".
ويرى حبيب في عدم حل الأحزاب الدينية، من خلال التعديلات المقترحة على الدستور، إشارة إلى أن الدولة لن تقوم بإقصاء الجماعة.
وكان المستشار على عوض، مقرر لجنة تعديل الدستور، قد قال أن التعديلات التي قامت اللجنة بها في دستور 2012، تحظر قيام الأحزاب على أساس ديني، منبها أن ذلك لا يتعلق بأي حزب من الأحزاب القائمة حاليا. وأوضح أن النظر في وضع الأحزاب الدينية القائمة حاليا سيتم عقب اقرار التعديلات الدستورية.
مقاعد البرلمان
وقال حبيب إن حصول الجماعة على مقاعد في مجلس الشعب في الانتخابات القادمة "يتوقف على قدرتهم في إعادة تشكيل صفوفهم وتقديم وجوه من الجيل الجديد مثل عمرو دراج ومحمد علي بشر".
ويشغل الأول منصب مسؤول حزب الحرية والعدالة للعلاقات الخارجية بينما شغل الثاني منصب وزير التنمية المحلية في عهد مرسي.
أما عن عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها الإخوان في الانتخابات القادمة، فيرى حبيب أن ذلك "يتوقف على حجم مشاركتهم وعلى قدرتهم على إعادة هيكلة الجماعة وتقديم وجوه جديدة".
"إذا دخلوا كجماعة هم وحلفائهم مثل الجماعة الإسلامية ذات الوجود القوي والشعبية في القرى والأقاليم خاصة في صعيد مصر، أعتقد أن نسبة تمثيلهم في مجلس الشعب القادم لن تقل عن 20 إلى 25%".
وأضاف أن "الباب لا يزال مفتوحا ولم يغلق تماما ويمكن، بعد أن تهدأ العواصف يدخلون في مفاوضات مع الدولة" للعودة كشريك في الحياة السياسية.
انقراض جيل
عماد جاد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يرى في القبض على قيادات الإخوان "تأكيد على استبعاد هذا الجيل من الحياة السياسية لأن هناك قطاع كبير من الشعب يحملهم مسؤولية وصول البلاد إلى الحالة المتردية الحالية".
"هذا الجيل يجب أن يحال إلى المعاش وأن تستبعد شخصيات الجيل الأول والثاني للجماعة وتظهر قيادات جديدة بفكر جديد بعيدة عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، حسب جاد.
ويؤكد جاد أن الخطاب السياسي المرتكز على الإسلام السياسي قد انتهى دوره ولا يرى أنه توجد حاليا أية شخصية يمكن للجماعة تقديمها للجمهور".
ويقول أن الأحزاب الدينية ومنها الحرية والعدالة سوف يكون عليها أن تعيد تقديم نفسها على أنها أحزاب أو تيارات محافظة وليست على أنها أحزاب دينية.
ويشير جاد إلى "تراجع شعبية الإخوان إلى حد تصدي الناس لهم حتى في القرى والأرياف" حيث قاعدتهم الشعبية عادة.
ويضيف "لكن ذلك لا يعني أنه لن يكون هناك إخوان بعد اليوم أو أنهم سيختفون من الحياة السياسية، لكن المشاركة ستكون رهن قدرتهم على امتصاص الضربة وإعادة تشكيل صفوفهم وتقديم أنفسهم بصورة وخطاب جدد".
ويقول الباحث نبيل عبد الفتاح أن "لجماعة الإخوان قدرة كبيرة على التنظيم وإعادة التشكيل وامتصاص الضربات وذلك من واقع خبرتها المكتسبة من الصراعات العديدة والطويلة مع السلطة".
ويقول "ستظل لديها قدرات تنظيمية، لكنها تواجه الأن أكبر ضربة في تاريخها لأنها كانت داخل السلطة ولم تتمكن من الوفاء بما كانت توعد به وهو ما أوجد أدلة سلبية على قدرتها في الأداء السياسي وأدى إلى فقدانها القدرة على الترويج لخطابها التعبوي".
ويقول عبد الفتاح إن "خطاب الجيل الوسط من الجماعة لا زال يعاني من الجمود".
"مدى قدرة الجماعة على إعادة لم الشتات الداخلي، خاصة وأنه ستكون هناك محاكمات تعكس علنا بعض الوجوه السلبية لمعظم القيادات سيؤثر على مستقبلها السياسي".
ويؤكد الباحث أن "حضور الإخوان الانتخابي لن ينتهي تماما كما يقول البعض ولكنه سيكون رهن قدراتها التنظيمية والتمويلية وسيحدث قدر من الانحصار لخطابها الديني والسياسي".
ويتفق في الرأي على أن نسبة تمثيلها في البرلمان القادم "ستتراوح بين 20 و25 بالمئة"