بتفجير انتحاري أو بعبوة ناسفة أو حتى بقذيفة هاون يأتي الموت عشوئيا في العراق، والموت بهذه الوسائل ليس جديدا على المدنيين إلا أنه بات مكثفا أكثر حتى شتتهم بين من يرى في نفسه ميتا بين لحظة أخرى.. وآخر تجاوز الخوف بمراحل وصولا إلى اليأس والغضب من واقع يحمل الموت يوميا وبالعشرات.
التصاعد العشوائي بالتفجيرات، التي تحصد العشرات يوميا، دفع البعض بالتفكير للخروج من منازلهم إلى مناطق أخرى تحمل لهم الأمن والأمان الذي فقدوه، وهذا ما فعلته زينب عندما اصطحبت طفلتها ذات التسع سنوات وأمها المسنة متوجهة إلى أربيل.. أكثر الأراضي العراقية أمانا، بحسب رأيها.
محاولة لسرقة الحياة
تقول زينب، وهي مطلقة ولديها طفلة عمرها 9 سنوات، لموقع سكاي نيوز عربية "غادرت منزلي غربي بغداد أنا وأمي وطفلتي باتجاه أربيل.. الوضع مخيف جدا هنا.. الأمس وقعت 3 تفجيرات.. يحاولون حتى سرقة الحياة منا.. لا حياة بعد اليوم.. القتل في كل مكان في العمل في الطريق.. لا حياة لنا".
ورغم الأمن الموجود في أربيل إلا أن زينب عادت إلى منزلها مصطحبة معها طفلتها ووالدتها بسبب غلاء الأسعاء والمستوى المعيشي إلى جانب عدم توفر فرصة عمل لها، وتقول "لم أجد عملا هناك.. الحياة غالية جدا ولم نعتاد على هذه الأسعار".
ولدى عودة زينب إلى منزلها وجدت عملا يعيلها وأسرتها الصغيرة كما سجلت ابنتها بمدرسة قريبة من المنزل في محاولة للاستمرار في الحياة.
فيسبوك.. منبر تواصل الأطفال
القلق على حياة الابنة، دفع زينب إلى حرمان طفلتها من المدرسة مدة شهرين إلا أنها عادت وأرسلتها لأن "الحياة يجب أن تستمر رغم كل شيء" واصفة شخصية ابنتها بـ "الانطوائية جدا على ذاتها".
وأمام واقع القلق والخوف تتواصل اينة زينب ذات الـ9 سنوات مع صديقاتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتقول زينب "كل صديقاتها لديهم حسابات على فيسبوك.. هذا هو المنفذ الوحيد لهن أمام حرمانهن من الخروج خوفا على حياتهن".
شعور اليأس والغضب
أما وليد غالب، من سكان بغداد، لا يشعر بالخوف وإنما تنتابه مشاعر اليأس والغضب هو ما يجتاحه لدى كل تفجير ولدى كل عملية انتحارية في العراق.
ويقول لموقعنا "لا أبالي بقضية الموت أو الحياة.. الكل مشروع مستهدف فالتفجير ممكن أن يحدث في أي وقت.. ما نشعر به نحن الشباب هو اليأس حيال الواقع والغضب من الحكومة الفاشلة التي لا يمكنها حماية الشعب رغم أن المقومات لحمايتنا موجودة".
ويعتبر وليد أن الهم الأكبر للشباب العراقي هو "الأمن"، ويقول "في المناطق الأخرى مثل الخالدية يتظاهرون للمطالبة بالكهرباء لأن الوضع الأمني لديهم جيد على عكس حالنا".
الموت.. العادة اليومية
حالة من الاعتياد يعيشها العراقيون إزاء التفجيرات فلا يكاد يمر على الانفجار ساعات قليلة حتى تعود الحياة إلى المكان كما كانت قبيل الحادثة، حيث شهد وليد انفجار أمام عينيه في حي تونس، وتناثرت أشلاء الجثث أمامه، إلا أن الحياة ما لبثت أن عادت إلى طبيعتها في وقت قصير وكأن شيئا لم يكن.
ويتحدث لسكاي نيوز عربية عن انفجار وقع قرب منزل أهله استهدف مبنى اسمه "الوقف الشيعي" إلا أنه لم يتمكن من الاطمئان عليهم إلا بعد وقت طويل بسبب قطع الطرقات المؤدية إلى مكان التفجير من قبل الأمن، ويقول "أخبرتهم أن منزل أهلي هنا وأريد الاطمئنان عليهم إلا أنهم لم يسمحوا لي بالدخول".
ولدى سؤاله عن إمكانية الاتصال بهم والاطمئنان عليهم عن طريق الهاتف المحمول قال "الموبايلات في منطقة التفجير تصبح خارج الخدمة بسبب دخول الأمن المنطقة والتشويش على الإرسال".
وكرد فعل أمام واقع التفجيرات اليومي ينظم وليد مع مجموعة من الشباب الليبراليين حملة إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي من بينها فيسبوك للمطالبة بإجراءات أمنية أكثر دقة.
ويقول "البيت عندما يتعرض لأكثر من استهداف فالخلل ليس في السكان وإنما في الحراس".
رحيل بلا موعد للعودة
وذكرت عدة مصادر عراقية لموقعنا أن عددا من العائلات العراقية غادرت البلاد دون أن تكون هناك نية للعودة.
وقال عصام، مهندس 29 عاما، من سكان بغداد "جيراني غادروا نهائيا.. أجروا منزلهم وباعوا عقاراتهم وتوجهوا إلى عمان".
كما قالت نسيبة إن جدتها تركت منزلها في حي الأعظمية في العاصمة بغداد وتوجهت إلى منزل أحد أبنائها في دول الخليج العربي.
وتضيف "جدتي لم تعد قادرة على احتمال التفجيرات التي تقع في كل مكان.. في السابق كانت تستهدف الجوامع والاحتفالات الدينية أما اليوم فهي تحدث في كل مكان حتى بدون معرفة الانتماء الديني".
500 قتيل منذ بداية يوليو
ويشهد العراق منذ نحو 3 أشهر تصاعدا في أعمال العنف اليومية المستمرة منذ اجتياح البلاد عام 2003 على أيدي قوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فقد قتل أكثر من 2500 شخص في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بينهم 761 في يونيو الماضي.
ومنذ بداية الشهر الحالي، قتل أكثر من 500 شخص في هجمات في مناطق مختلفة من البلاد، بحسب حصيلة تعدها وكالة فرانس برس استنادا إلى مصادر عسكرية وأمنية وطبية، ما يعني أن معدل ضحايا العنف اليومي في العراق بلغ نحو 25 شخصا.