يرى الكثير من السوريين أن وسائل الإعلام الرسمية تصر على إظهار الاحتجاجات الشعبية في العديد من المناطق على حكم الرئيس السوري بشار الأسد؛ في صورة "مؤامرة إرهابية إسلامية"، وتعمل بكل ما تملك من ادوات لإدانة المحتجين، و"فبركة" تقارير إعلامية مسيئة للمعارضة.
ودأب التلفزيون السوري على بث مقابلات مع رجال يقرون بأنهم ارتكبوا أعمال عنف، بهدف تشويه صورة معارضي الأسد. لكن الكثير من السوريين يسخرون من هذه المقابلات.
وقالت معدة تلفزيونية سابقة -طلبت عدم ذكر اسمها خوفا من انتقام جهة عملها السابقة- "إن العديد من الاعترافات مفبركة". وأضافت لرويترز: "كنت أصل إلى العمل، فيخبرني أحد المحررين أن لدينا شخصا للاعتراف".
ومضت تقول: "بعض الرجال هم أناس عاديون، اعتقلوا في مظاهرات مناهضة للحكومة، وآخرون لصوص ومجرمون أوشكوا على إنهاء فترة العقوبةالصادرة بحقهم".
ومن بين من اعترفوا للتلفزيون السوري قصي شقفة، وهو من مدينة حماة، التي شهدت قتالا بين المعارضين وقوات الحكومة في الشهورالقليلة الماضية، ولأسرته ماض طويل من المعارضة ضد الأسد ووالده الراحل حافظ الأسد، الذي كان قد أرسل قوات لقمع انتفاضة هناك عام 1982، ما أسفر عن مقتل الآلاف.
وقال شقفة (29 عاما) في البرنامج الذي بثه التلفزيون السوري إن المعارضين قتلوا أفرادا من قوات الأمن وألقوهم من فوق جسر.
وأضاف أنه اتصل بصحفيين يعملون في وسائل إعلام أجنبية وأرسل لهم صورا مفبركة لمظاهرات سلمية مناهضة للأسد حتى يستخدمونها كدعاية ضدالرئيس السوري.
سجناء جنائيون
وحقق اعتراف آخر شهرة على نحو خاص في سوريا، بدا فيه رجل يدعى "غسان سلواية" من مدينة اللاذقية الساحلية ممتثلا لطلبات معد البرنامج.
وقال سلواية متلعثما، وهو محاط بمسدسات ورشاشات وأسلحة، ذكر مذيع البرنامج أنه عثر عليها بحوزته؛ أنهم أحرقوا حافلات وقاوموا دوريات أمنية وإن الأمر كله كان شغبا.
وقال نشطاء في المعارضة إن عائلة سلواية ذكرت أنه اعتقل قبل الانتفاضة لارتكابه جرائم لا علاقة لها بما يجري، وأوضحت العائلة أن غسان لم يؤدي الخدمة العسكرية لمعاناته من أمراض نفسية.
وتقول جماعات معنية بحقوق الإنسان إن محتجين سلميين يطالبون منذ أكثر من عام بالإطاحة بالأسد يعتقلون ويتعرضون للتعذيب والقتل.
ويسخر الكثير من السوريين سواء المعارضين أو المؤيدين للأسد من هذه الاعترافات. وقال رامي (33 عاما)، وهو موظف حكومي أجرت رويترز مقابلة معه عبر سكايب من دمشق، وطلب ذكر اسمه الأول فقط لاعتبارات أمنية: "لا أعتقد أن التلفزيون السوري يكذب في كل تقاريره، لكن المعلومات التي تتضمنها هذه الاعترافات متضاربة بالفعل ومحيرة".
وقالت ريم، وهي صحفية تبلغ من العمر 32 عاما، إنها لم تثق قط في وسائل الإعلام الرسمية، وترى أنها لسان حال الدائرة المقربة من الأسد، لكن الاعترافات التي يبثها التلفزيون تمثل سقطة جديدة.
وأضافت: "إذا كانوا مجرمين بالفعل فيجب إرسالهم إلى المحاكم وليس إلى استوديو التلفزيون.. الاعترافات مضحكة جدا.. من الواضح أنها غير منطقية".
دراما بث الاعترافات
واستطردت: "يطلب منا رؤساؤنا أن نختلق قصصا قابلة للتصديق. على سبيل المثال إذا كان لدينا رجل من مدينة معينة فنطلب منه أن يتحدث عن شوارع محددة أو يعترف بجريمة ارتكبت في الآونة الأخيرة في هذه المدينة". وقالت: "بعض الذين اعترفوا بدت عليهم آثار تعذيب لكنني لم أوجه لهم أسئلة كثيرة".
وبثت قناة الدنيا الإخبارية المؤيدة للحكومة السورية في أواخر أبريل ما وصفته بأنه اعتراف "إرهابي" يدعى علي عثمان يقول نشطاء إنه اعتقل في مارس بعدما ساعد صحفيين أجانب على الفرارمن مدينة حمص المحاصرة.
ويسير مذيع الدنيا في إعلان البرنامج في ممرات مظلمة، وتصدح موسيقى في الخلفية. ويدخل المذيع زنزانة يجلس فيها عثمان ورأسه بين يديه. ويقف عثمان وتظهره اللقطة التالية جالسا أمام المذيع في غرفة مظلمة تسلط فيها الأضواء عليهما.
وتظهر على الشاشة عبارة "تابعونا.. داخل بابا عمرو"، في إشارةإلى الحي الموجود في حمص، الذي قصفته قوات الحكومة السورية بعنف لأنها تقول إنه يعج "بالإرهابيين المسلحين".
وقال عثمان في المقابلة إن المشاركين في الاحتجاجات المناهضة للأسد تظاهروا بأنهم سلميون، لكنهم كانوا يخبئون مسدسات في ملابسهم لمهاجمة أفراد الأمن. ووصف عثمان كيف أنه أدار مركزا إعلاميا في بابا عمرو وهرب صحفيين أجانب من وإلى سوريا ونظم محتجين معارضين.