التهبت أسعار السلع الأساسية في مصر في الآونة الأخيرة لتقفز بنسبة 15 إلى 20 بالمئة مصحوبة بارتفاع في نسبة البطالة لتثير مخاوف الشعب من عدم القدرة على مواجهة الغلاء وتوفير سبل المعيشة في المستقبل القريب.
وأظهرت الأرقام الرسمية التي نشرها الثلاثاء الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء أن نسبة البطالة في مصر ارتفعت إلى 12.7 بالمئة في 2012 ليصل عدد العاطلين عن العمل إلى 3.4 مليون بزيادة 0,7 بالمئة عن 2011 و3,7 بالمئة عن 2010.
وعزا الجهاز زيادة معدل البطالة وعدد العاطلين عن العمل في2012 إلى "تباطؤ الأنشطة الاقتصادية ... في أعقاب ثورة 25 يناير".
كما قفز سعر تداول الدولار من 6 جنيهات في شهر نوفمبر ليصل إلى ما يقرب من 9 جنيهات الأسبوع الماضي قبل أن يعود إلى سعر 7,30 هذا الأسبوع.
وتقول عزة حسني، عاملة بالمعاش ومطلقة:"وصل سعر اللحم إلى 100 جنيه للكيلو والدجاج إلى 20 وتضاعف سعر كيلو البامية 4 مرات ليصل إلى 20 جنيها هذا الأسبوع بينما زاد سعر البازلاء من 2 جنيه إلى 5 جنيهات وزاد سعر لتر زيت الذرة في شهرين من 9 إلى 12,5 جنيه ".
وعن البدائل التي يلجأ لها الفقراء لمواجهة الغلاء، توضح عزة:"الناس يعزفون الآن عن شراء الدجاج ويشترون هياكلها التي تحتوي على بعض اللحم في الأجنحة ليحصلوا على بعض البروتين والتي تباع بعشر جنيهات للكيلو".
عزة، التي حصلت على تقاعد مبكر لأسباب صحية، تعتبر نفسها محظوظة حتى الآن لأنها تحصل على معاشها ومعاش والدها مما يوفر لها دخلا يقدر بنحو 2000 جنيه شهريا.
وتتابع:"أحصل أيضا على كيلو ونصف الكيلو من السكر المدعوم بسعر 1,5 جنيه وهو يكفيني لأني لا أستهلك الكثير منه وليس لدي أطفال والسكر غير المدعوم يتراوح سعره ما بين 5 إلى 7 جنيهات".
أقساط الدراسة "تقصم" الظهر
لكن محمود الصيرفي، الذي يعمل مشرفا في متجر لبيع الأثاث في حي راق بالقاهرة، لا يتمالك أعصابه عندما يفكر في ما يواجهه.
ويقول بانفعال "لي طفلان في بداية الدراسة وأتقاضى 2000 جنيها شهريا وزوجتي انقطعت عن العمل بعد أن أغلق مصنع المنسوجات الذي كانت تعمل به عقب إفلاسه لعدم قدرة مالكه على مواجهة مصاريف تشغيله في ظل الركود الذي تعاني منه البلاد".
ويتسأل محمود عن مستقبله وكيف سيتمكن من مواصلة الحياة الطبيعية في ظل وتيرة الغلاء المتسارعة، قائلا:"رغيف الخبز عالي الجودة الذي كان ثمنه 25 قرشا منذ 3 سنوات يباع حاليا ب75 قرشا، أما الرغيف الذي سعره الآن 25 قرشا فهو صغير إلى درجة أنه ينتهي بقضمة واحدة".
ويواصل محمود "هناك بالطبع الرغيف المدعوم وسعره 5 قروش لكن مذاقه سيء وللحصول عليه يجب الوقوف في طوابير طويلة تبدأ من السادسة صباحا".
ويردف بأسى "لست أدري ماذا سأفعل عندما يكبر أولادي ويحتاجون إلى دروس ومصاريف أكبر".
محمد الليثي موظف في جامعة خاصة، متزوج من زميلة له ولديهم ابنة في الثانوية العامة.، يقول "أسعار السلع الأساسية زادت بنسبة كبيرة بينما لم يرتفع الدخل، بل على العكس جرى تسريح عدد كبير من العمال بسبب إفلاس مصانع وشركات كثيرة جراء تدهور الاقتصاد".
ويرى أن الطاقة المنزلية تستهلك قدرا كبيرا من الدخل،"سعر أنبوبة الغاز وصل إلى 25 جنيها مقابل 10 أو 15 العام الماضي، والكهرباء ارتفعت فنحن ندفع نحو 130 جنيها شهريا هذه الأيام بدلا من 100 جنيه في السنة الماضية، وذلك رغم تكرار انقطاع الكهرباء".
ويخشى محمد من الشروط التي يطالب بها صندوق النقد للموافقة على منح القرض لمصر، "خاصة مطلبه مراجعة دعم المواد البترولية وما سيصاحب ذلك من غلاء في سعر تشغيل كل شيء من السيارات إلى المصانع".
ويقول بحزن: "كان أملنا أن تأتي الثورة بانتعاش اقتصادي تجني ثماره الطبقة الكادحة التي تشكل الغالبية العظمى من هذا الشعب. واعتقدنا أنها ستقضي على الفساد وعلى استغلال النفوذ لعقد صفقات اقتصادية لا تفيد سوى طبقة رجال الأعمال فيصب ذلك في مصلحة الناس، ولكن أي من هذا لم يحدث بل على العكس تفشى الغلاء والبطالة والاستثمارات تهرب من مصر وكأن هناك ذئب يلاحقها.
اقتصاد "الإكراميات"
وشهد الاقتصاد المصري تدهورا كبيرا وتضررت السياحة التي كانت تدر نحو 15 مليار دولار سنويا لتصبح شبه منعدمة وتراجعت الاستثمارات جراء القلاقل السياسية في البلاد التي يعيش أكثر من 40 بالمئة من سكانها البالغ عددهم 88 مليون نسمة على أقل من دولارين يوميا.
منيرة، تعمل في بلدية القاهرة، تكنس الطرقات وتحصل على مرتب 300 جنيها شهريا. "أعيش على الإكراميات التي يعطيها لي أصحاب المتاجر في الشارع الذي أنظفه وعندما يعطونني ملابس وأحذية مستعملة يكون ذلك يوم فرح فالحذاء المحلي الصنع يتراوح سعره من 30 إلى 150 جنيها حسب الجودة فكيف لي أن أشتريه".