ولا يقتصر الأمر على "المونديال"، الذي قد يعتبره البعض ترفا من الكماليات، فاللبنانيون يعتمدون على وسائلهم الخاصة في تأمين كل الأساسيات التي ترتبط بحياتهم اليومية من كهرباء وماء واستشفاء ودواء وتعليم.. وحتى للحصول على أموالهم المنهوبة في المصارف.

وليس أدل على ذلك من اقتحام سيدة على أبواب التسعين من عمرها مصرفا في بيروت، للمطالبة بوديعتها البالغة 20 ألفاً و300 دولار. لتحصل بعد المفاوضات التي امتدت يوما كاملا على نصف المبلغ.

وبين الدولار و"المونديال"، يسجل اللبنانيون أرقاما قياسية جديدة في سبر أعماق جهنم. ولا يحفلون بالمجهول المتربص بمصيرهم ومستقبلهم. ولا يقومون بأي رد فعل على القرصنة المالية التي يمارسها المسؤولون بحقهم، وعلى لعبة المضاربات بين كبار الصرافين، وعلى استراتيجيات نشر اكاذيب واشاعات وتهويل على الناس، من خلال جهات مدفوع لها عبر المواقع الالكترونية ومواقع التواصل. مع الإشارة إلى أن استمرار هذه الممارسات سيفاقم الوضع مع جشع وفوضى لا حدود لهما، خصوصاً ان لا دولة ولا هيئات رقابية او امنية ولا من يحزنون.

أو لعل اللبنانيين تجاوزوا مرحلة الحزن والغضب وحتى الاكتئاب، أو هم أصيبوا بسلالة نادرة من مرض الخمول، فانعدمت لديهم الرغبة على أي رد فعل حيال كل ما يرتكب بحقهم، وكأن هناك من يتلاعب بهرموناتهم ومستويات الادرنالين في عروقهم، حتى يتمكن من التحكم بهم أكثر فأكثر لحظة الوصول إلى الانهيار الشامل.

ويبدو أن هذا الانهيار ليس بعيدا، فقد أصدر البنك الدولي قبل حوالي الأسبوع تقريرا تناول "التطوُّرات الاقتصادية الأخيرة والآفاق والمخاطر الاقتصادية للبلاد في ظل حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة طويلة".

وأشار التقرير الى أنه "من المرجَّح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق في شأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، مما يعمِّق محنة الشعب اللبناني". وأورد أن "أداء الاقتصاد الكلي في لبنان أسوأ من أداء زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال، أو يضاهيها في أحسن الأحوال"، ليخلُص إلى أن الأزمة الحالية ستعزِّز على الأرجح مستويات الدولرة المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي.

بالتالي، ومع مثابرة "منظومة الانهيار" على دكِّ ما تبقى من الأسس الدستورية بإبقاء لبنان ورقة بيد محور الممانعة ليتم التفاوض عليه وفق مقتضيات ومصالح الأطراف المفاوضة، لا يبدو مستغربا انتظار الانهيار الشامل وعجز القوى الأمنية والعسكرية من حفظ الاستقرار بشكل كامل مع استقالة المسؤولين من مسؤولياتهم.

ولا شيء يمنع هذا السيناريو من أن يصبح واقعا يقع على رؤوس اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم. فالحكومة العاجزة عن تصريف مياه المطر التي تحولت سيولا أغرقت الناس والسيارات على الطرق لن تستطيع تصريف الأعمال لترتيب بعض الشؤون المعيشية بحدها الأدنى في ظل الفراغ الرئاسي المتعمد والممنهج، ولا يكفي أن يوضح وزير الاشغال أن ما حصل ليس من مسؤولية وزارته، وانما من مسؤولية كرم السماء والمواطنين غير المنضبطين.

ففي المدى المنظور يستمر التعثر في العبور نحو الانتظام المؤسساتي والسياسي، وتستمر إرادة المتحكمين بالورقة اللبنانية بالحؤول دون انتخاب رئيس للجمهورية، وذلك أضعف الإيمان، أما أقواه المتمثل بانتشال ثلاثة أرباع الشعب اللبناني من الأوضاع المعيشية والاقتصادية والنقدية المذلة.. فهو سيبقى مفقودا إلى أجل غير مسمى.

ولأن الأمور ملتبسة بين انتظار بعض أمل صعب التحقيق وبين اليأس من أي احتمال إنقاذي، يفضل اللبنانيون ترقب نتائج اللعب في المونديال.. علَّ فريقهم المفضل يربح ويصيبهم ادرنالين الفوز بلذة الانتصار.. لأن ترقب نتائج اللعب بالدولار.. لن يصيبهم إلا بمزيد من التحسر والعجز والخوف على المصير.