استنسخت الأزمة السورية المستمرة منذ 2011 مأساة اللجوء الفلسطيني، وصور الدمار والقتل في لبنان إبان الحرب الأهلية، ومشاهد العنف المتنقل في العراق، وسيناريو محاولة سلب اليمن، في مشهد تراجيدي يختصر عقود من حالة عدم الاستقرار التي تتخبط فيها المنطقة العربية جراء مطامع إقليمية توسعية وأجندات غربية.
ومنذ انهيار السلطنة العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن الماضي، عمدت دول غربية عدة إلى ترسيخ وجودها في المنطقة العربية عبر القوة العسكرية، بهدف سرقة ثرواتها واستعمار شعوبها واغتصاب أراضيها، قبل أن تنكفئ عسكريا من بوابة المتغيرات العالمية الناجمة عن انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وانتهاء الهيمنة العسكرية المباشرة للقوى الاستعمارية القديمة، ونعني هنا فرنسا وبريطانيا، على عدة دول عربية، لم يأت بالاستقرار إلى المنطقة العربية التي ضربتها تداعيات احتلال إسرائيل لفلسطين بمباركة دولية، وغرقت في دوامة الحرب الباردة بين القطبين الجديدين، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.
وطيلة العقود التي أعقبت ظهور المعسكرين الغربي بقيادة واشنطن والشرقي تحت لواء موسكو، استمرت موجة "اللا استقرار: والنزاعات في ضرب المنطقة العربية التي تتميز بموقها الجغرافي وثرواتها الطبيعية وتنوعها الحضاري كونها كانت مهد الحضارات القديمة والأديان السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام.
إلا أن نعمة الجغرافيا والتاريخ والثروات الطبيعة باتت لعنة على المنطقة التي تقع على مفترق طرق يصل آسيا بأوروبا وإفريقيا، حيث باتت نقطة صراع نفوذ بين موسكو وواشنطن، في حين عمدت كل من تركيا وإيران وإسرائيل على تضييق الخناق على الدول العربية عبر وسائل عدة، أبرزها سلاح "حماية الأقليات".
فتركيا التي تقع شمال المنطقة العربية وتتقاسم حدودا مشتركة بين العراق وسوريا، وبعد أن سلخت عام 1939 لواء الإسكندرون عن سوريا، استمرت في التدخل بشؤون المنطقة تحت ذرائع متنوعة، فبعد أن كانت الحليف الأقوى لإسرائيل لعبت، بعد وصول حزب العدالة والتنمية ، دور حامي "الإسلام السياسي".
أما إيران الواقعة شرقي المنطقة العربية على حدود العراق، المطلة على دول الخليج العربي، فاستمرت في محاولة إحياء المشروع الفارسي التوسعي واحتلت جزرا إماراتية، قبل أن يتمادى نظام "الولي الفقيه" عقب الإطاحة بنظام الشاه عام 1979 في ضرب الاستقرار العربي، مستخدما السلاح الأمضى، وهو "حماية الشيعة".
واللافت أن النظام الإيراني استخدم السلاح المذهبي عينه الذي استخدمته إسرائيل عشية اجتياح لبنان قبل أكثر من 3 عقود، إذ لجأت طهران إلى ذريعة حماية "الأقليات الدينية" لاختراق اليمن ولبنان والعراق وسوريا، لتنفيذ سياسة أسفرت عن استقطاب طائفي حاد شملت تداعياته المنطقة العربية بأسرها.
وعملية ضرب الأمن العربي من قبل تركيا وإسرائيل وإيران تتوافق، على ما يبدو، مع أجندة دول غربية، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا التي امتصت صدمة انهيار الاتحاد السوفياتي، قبل أن تعود بقوة إلى الساحة الدولية، الأمر الذي يبشر بحرب باردة جديدة بين واشنطن وموسكو، ساحتها المنطقة العربية.