الكل يتحدث هنا في الكابيتول عن أن زيارة بلينكن تهدف إلى التشاور مع الشركاء في شأن الأولويات الدولية والإقليمية، المتمثلة في الحرب الروسية ضد أوكرانيا وملف إيران والعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية انطلاقا من الحفاظ على حل الدولتين وكذلك الحديث عن حماية حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية وموضوعات أخرى مفادها بأن واشنطن تعيد صياغة منطقة الشرق الأوسط وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني فيها، في إطار المواجهة مع روسيا والصين، وأنها بالتعاون مع شركائها الإقليميين وعلى رأسهم السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل ستعيد رسم المنطقة.

ويأتي ذلك كوننا نشهد بالإضافة إلى ما ذكرته سابقا حوارات دولية كثيرة عن انعكاسات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتعطّل التوصل لاتفاق بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وعن المساعي لوقف الحرب في اليمن، وظهور حكومة إسرائيليّة وُصفت بالمتطرفة، وما تعانيه الحكومة العراقية الجديدة من تحديات وكذلك الشغور الرئاسي في بلدي لبنان، وغيرها من الملفات التي نرى آثارها كل ساعة على الصعيدين الأمني والسياسي.

بداية الزيارة وقف وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع نظيره المصري الوزير سامح شكري، قائلاً إنه يهدف من الزيارة إلى تعزيز شراكة واشنطن الاستراتيجية مع مصر، إضافة الى تعزيز السلام والأمن في المنطقة، بما في ذلك الدعم المشترك للانتخابات في ليبيا، والعملية السياسية الحالية في السودان بقيادة السودانيين.

وكأن الوزير بلينكن يرسل رسالة مفادها بأن مصر تؤدي دورا محوريا في المنطقة من ضمنه تخفيف حدة العنف والتوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك قيامها بدور الوسيط للتوصل إلى هدنة بين الطرفين أكثر من مرة في العامين الأخيرين.

لا شك أن الوزير بلينكن سيتحدث في كل محطاته عن الملف الإيراني ومن نافلة القول هنا أن طهران رفضت المعروض بشأن العودة للاتفاق النووي، وأنَّ واشنطن لا تزال ترى أن الدبلوماسية هي الطريقة الأكثر فاعلية للتعامل مع الملف النووي الإيراني مع قناعة الرئيس الأميركي جو بايدن وتصميمه كذلك - هو وفريقه ومن ضمنه الوزير بلينكن – على ألا تمتلك إيران أسلحة نووية وأنَّ كل الخيارات متاحة على الطاولة لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي.

وأما الداخل الإيراني فلا يخفى أن واشنطن لاحقت بالعقوبات كل المسؤولين عن القمع في إيران، وأنها تواصل البحث عن طرق لتعطيل أنشطة إيران الاجرامية.

وخلال لقاء بلينكن مع الرئيس الفلسطيني، يرد السؤال المحوري هل ستنجح زيارة بلينكن في إمكانية التهدئة في المنطقة بعد أن كانت تتمحور في بداية الإعلان عنها حول معرفة ما إذا كان بإمكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو السيطرة على حكومته اليمينية المتطرّفة قبل زيارته المقرّرة إلى واشنطن؟

ويكثر الكلام هنا عن أن الولايات المتحدة تواجه حكومة إسرائيلية ذات توجّه صعب، فيما يتعلّق بالتفاوض بشأن حل الدولتين، وقدرة السلطة الفلسطينية على التفاوض محدودة للغاية نتيجة الانقسام الفلسطيني الذي بات مستحيل الإصلاح.

نعم.. إن كل الساسة الفلسطينيين يرون أن مهمة بلينكن خلال زيارته الحالية للمنطقة لا تعدو كونها محاولة لتطويق النيران لا أكثر وأنه لم يُفصح عن أية توجّهات لواشنطن للوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين على الصعيد السياسي لبدء مفاوضات متوقّفة منذ 9 أعوام، ويرون كذلك أن المنهج الأميركي تجاه القضية الفلسطينية مبني على  أمور منها  أنه لا يُمكن لواشنطن أن تلعب دور الوسيط، ما دامت منحازة بشكل مطلق وكامل لطرف الإسرائيليين وأن نتانياهو لا يختلف عن حكومته، خاصّة وأنه هو المسؤول عن نسف عملية السلام، وتدمير فكرة حل الدولتين.

بالتالي، فإن الأطراف العربية وعلى رأسها الطرف الفلسطيني ستتعامل من منطلق الأمر الواقع، الأمر الذي قد يذهب بالوضع الراهن إلى اتجاهات أخرى مهما يكن  من أمر، وأيًّا تكن محطات بلينكن في جولته الحالية فإن خروجه في الساعات الماضية في حوار مطول مع صحيفة الشرق الأوسط كان فيه الحديث عن السعودية هو منطلق الحوار يدل على أن واشنطن باتت تحرص على محورية المكانة السعودية وموقفها في أي سياسات أميركية إقليمية ودولية وكأنه سعي من الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة إلى طيّ نهائي لصفحة التّوتر التي شابت علاقات واشنطن والرياض منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض.