في هذا السياق، ذكر مسؤولون صينيون بأن 220 سفينة صيد صينية لجأت إلى شعاب ويتسون لحين انحسار الأمواج العاتية منذ 21 مارس – أي منذ مدة، غير أن هذا الطرف من بحر الصين الجنوبي تتنازع ملكيته الفلبين لموقعه في بحرها الغربي، وفيتنام لموقعه شرقيها، وبطبيعة الحال الصين – التي لها حضور في جزر سبراتلي المحاذية لشعاب ويتسون، مع 5 دول إقليمية أخرى تتقاسم السيطرة على الجزر، مع مطالبة الصين بالمنطقة البحرية بأسرها، كونها معبر لقرابة 3 تريليونات دولار من التجارة الدولية.

كذلك تتهم الدول الأخرى الصين بتسخير بعض قواتها البحرية لخفارة سفن صيدها، بزعم تشغيلها من قبل مليشيات حكومية قد تتولى افتعال مناوشات كذرائع للتمدد وبدء أعمال الردم والاستيلاء على الضحال، و(تجزيرها) كقواعد ميدانية متقدمة.

تداركاً للوضع، صرح الرئيس دوتيرتي بأن الصين "تظل طرفاً نافعاً لنا"، وأن "الخلاف مع الصين لا يعني إساءة الأدب وتقليل الاحترام"، وأنه "من أجل ذلك، لطفاً فقط اسمحوا لصيادينا بالعمل بسلام، ولا يوجد سبب للمشاكل".

يبدو أن الصين وُفِّقَت تجاه الفلبين في استحضار وتطبيق الفصل الرابع من كتاب "فن الحرب" لفيلسوفها الخالد سان تزو، وعنوانه "التدابير الحاسمة التكتيكية". يشرح هذا الفصل أهمية تحصين وحماية المواقع التي في حيازة الدولة وقواتها، إلى أن تحين الفرصة أمام القائد للتقدم من تلك المواقع إلى أخرى يسيطر عليها، أو ينفذ من خلالها إلى هدف ميداني آخر يحققه ويؤمنه من الضياع، بناءً على تحديد واستغلال الفرص الاستراتيجية، وعدم صنع فرص عكسية يستغلها الخصم؛ غير أن الحاصل في الوضع بين البلدين هنا هو أن اللقاح الضروري الوفير وقريب المنال لوجستياً قد غير النمط في الصراع السياسي من "خذ وطالب" إلى "إجرح وداو".

فرص استغلال العمل الإنساني في الدبلوماسية حاضرة على الدوام، ويجدر تسخيرها بوتيرة أكبر وأبلغ تأثيراً، تتخذ في بعض الأحيان صيغاً أقرب للتلميح، بل والتصريح، بالمساومة الاستباقية في السياسات الخارجية مع بعض الدول، قبل أن تلوح منها بوادر الغدر أو التخلي أو الابتزاز في ساعة تتطلب الصلح والاتفاق، أو التضامن والتحالف، أو الحياد على الأقل، بعيداً عن أخلاق الفرسان التي تتسبب بخسائر فادحة في الأوساط البراغماتية الانتهازية التي تتسيد العلاقات الدولية، حيث لا مكان للعتب أو الاستجداء.

لنتذكر في ثقافتنا أن صحيح الحديث النبوي قد نص على أن "الحرب خدعة"، وحروب السلام والتفاهم والتعايش أبلغ وأدوم أثراً من حروب القتال، والمنطقة تنتظر "سان تزو" الخاص بها، منذ أن رحل أفضل براغماتييها في العصر الحديث: الفيصل والسادات.. عليهما رحمات ربي.