فقد جرت العادة، في مثل هذا التوقيت، أن يكون الأميركيون ومعهم العالم في انتظار مؤتمري الحزبين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي، وهما المؤتمران، اللذان يعلن من خلالهما مرشحي الحزبين الرئيسيين رسميا، ولهذه المؤتمرات حكايات وقصص تضرب في أعماق التاريخ.

فمن يمكن أن ينسى السيناتور الراحل، تيد كينيدي، وهو سياسي من عيار ثقيل، حرمته نزواته الشخصية من الفوز برئاسة أميركا، إذ هو يملك كاريزما آل كينيدي الصارخة، والفصاحة والقدرة على الحشد، وبالتالي فهو ذو تأثير كبير على رأي الناخبين، وقد كان خصما شرسا للرئيس جورج بوش الأب، كما لا يمكن أن ينسى أي معلق مؤتمر الحزب الديمقراطي في عام 2004، في مدينة بوسطن بولاية ماسشيوستس.

في ذلك المؤتمر، الذي رشّح فيه الحزب الديمقراطي رسميا، السيناتور جون كيري، ليواجه الرئيس الجريح، والغارق في حربي أفغانستان والعراق، بوش الإبن، ومن المفارقات أنه عندما انتهى المؤتمر، لم يكن نجم الديمقراطيين هو المرشح كيري، بل كان باراك أوباما، الذي لم يكن حينها معروفا على المستوى الوطني، إذ كان عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية الينويز، وقد قدّمته قيادات الحزب ليلقي كلمة في ذلك المؤتمر، وعندما صعد إلى المسرح، لم يكن معظم الأميركيين يعرفون هذا الشاب الأسمر النحيل، الذي يحمل اسما غريبا، إذ كان للتو قد فاز بعضوية مجلس الشيوخ، ولم تكد تنتهي كلمته، التي لم تتجاوز العشرين دقيقة، حتى أصبح حديث المعلقين ووسائل الإعلام، فقد كانت كلمته قوية، تضمّنت رسائل لافتة، وكان أداؤه مبهرا، وبالتالي ضاع المرشح جون كيري في زحمة نجومية باراك أوباما، الذي انطلق من ذلك المؤتمر في مدينة بوسطن، التي تضم جنباتها جامعة هارفارد العريقة، التي كان أوباما أحد خريجيها، ولم يتوقف إلا في المكتب البيضاوي  ليحكم أميركا والعالم لمدة ثماني سنوات.

المؤتمرات الحزبية هي عبارة عن حفلات ضخمة، يختار الحزب المدينة والولاية، التي سيقام فيها المؤتمر بعناية فائقة، وتستمر لعدة أيام، وهي عبارة عن سيرك سياسي، تلقى فيها الكلمات، التي تتحدث عن إنجازات الحزب، وتطعن في مقدرة الحزب المنافس على الحكم، كما تقام الحفلات وحلقات النقاش وغيرها من الفعاليات على هامش المؤتمر.

وفي اليوم الختامي، يصوت المندوبون على مرشح الحزب، وهو غالبا من فاز بالترشح عن طريق التصويت الشعبي، كما يتم التصويت على النائب، الذي يختاره المرشح، ثم تأتي أهم الخطوات، وهي كلمة المرشح، وهي كلمة مهمة للغاية، يستعرض فيها المرشح برنامجه الإنتخابي للأربع سنوات القادمة، وغالبا ينتقد أداء الحزب الآخر، ولكن هذا العام، وبسبب جائحة كورونا، لن تكون المؤتمرات الحزبية تقليدية، بسبب سياسات التباعد وخلافها، وبالتالي فقد أجّل الحزب الديمقراطي موعد المؤتمر من شهر يوليو لشهر أغسطس، كما لن يكون سير البرنامج حسب ما تم وصفه أعلاه، إذ تم تقليل أعداد الحضور بدرجة كبيرة، كما سيتم استخدام التكنولوجيا كبديل للحضور الشخصي لمعظم المدعوين، مثل ما يتم حاليا مع أي نشاط اجتماعي آخر، وهذا قد يؤثر سلبا على وهج المؤتمر، وقد يقلّل من تأثير ما يطرح فيه على الناخبين، إذ سيتحول السيرك السياسي الجماهيري الضخم إلى مجرد فقرات متناثرة.

والخلاصة هي أن المؤتمرات الحزبية مهمة للغاية للحشد والتأثير، ولكن جائحة كورونا غيّرت كل شئ، بما في ذلك مسيرة الانتخابات التي يتابعها العالم أجمع!.