تشهد أنقرة حركة أمنية وسياسية نشطة، وقلق في آن واحد، بشأن التعامل مع الملف الكردي في سوريا، والذي تخشى أن يؤثر على سائر الأكراد في المنطقة، خصوصا أكراد تركيا.

فبعد يومين من استضافة زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري صالح مسلم، في إسطنبول وأنقرة، ولقائه مع مسؤولين من المخابرات والخارجية، وصل إلى أنقرة رئيس وزراء إقليم كردستان العراق نيجيرفان برزاني بدعوة من وزارة الخارجية التركية.

يأتي ذلك في ظل سعي تركيا للإحاطة بتطورات الوضع الميداني في شمال سوريا، ودعوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري إلى إقامة إدارة محلية منتخبة قد تتحول مستقبلا إلى مشروع حكم ذاتي في المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا.

ولعبت أربيل دور الوسيط للتقريب بين صالح مسلم وأنقرة، التي كانت تنظر إلى حزبه على أنه امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني المسلح، وتضعه ضمن خانة التنظيمات التي توصف بأنها "إرهابية".

وجاءت زيارة مسلم المفاجئة والسرية إلى تركيا الأسبوع الماضي بعد يوم من حضوره اجتماعا في أربيل مع سياسيين أكراد من تركيا والعراق وإيران، حيث ناقشوا التحضير لاجتماع كردي إقليمي كبير قريبا يسلط الضوء على مستقبل الأكراد في المنطقة، وكيفية الاستفادة من التطورات الجارية باتجاه الاعتراف بواقع كردي، والهوية السياسية والقومية للأكراد في المنطقة.

دواعي القلق التركي

قلق تركيا بدأ قبل 14 شهرا تقريبا، عندما رأت أن أكراد سوريا تمكنوا من تسليح أنفسهم، وإدارة المناطق الشمالية التي انسحب منها الجيش السوري، وبدأوا يشكلون نواة صلبة على الأرض، في مشهد يعيد إلى الذاكرة سنوات كانت مليئة بالدم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، عندما كان حزب العمال الكردستاني ينطلق من سوريا لشن هجمات على تركيا وجيشها.

وهذا ما دفع تركيا إلى التحرك على ثلاثة محاور الأول: كان بالإيعاز لحلفائها في كردستان العراق من أجل جمع أكراد سوريا تحت مظلة ما سمي "المجلس الكردي السوري" من أجل السيطرة على تحركاتهم وتنظيم حركة المسلحين منهم.

الثاني: كان بدعم الجيش السوري الحر وبعض "الجماعات الجهادية" التي تقاتل الأكراد في شمال سوريا من أجل إضعاف شوكتهم، ودفعهم للانضمام إلى المعارضة السورية، وخفض سقف توقعاتهم السياسية.

الثالث: كان من خلال القبول بالتفاوض مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، في سجنه، على وقف القتال ونزع سلاح الحزب، مقابل إيجاد حل كردي للقضية الكردية في تركيا، قائم على مشروع للحكم الذاتي أو الإدارات المحلية.

لكن صالح مسلم وحزبه المسلح الذي يشكل جزء أساسيا من المعارضة الكردية في سوريا، رفض الوصاية من أشقائه في شمال العراق، وأصر على التعامل معهم على قدم المساواة، وشق صف الجماعة الكردية، وسعى لشق طريق خاص به، كما استطاع أن يطرد "الجهاديين وجبهة النصرة" من مناطقه، فكان لابد لأنقرة من ترك سياستها السابقة، وطلب التفاوض معه بشكل مباشر.

مشروع الإدارات المحلية

وخرج مسلم من هذا اللقاء بانطباع إيجابي، رغم أن أنقرة كانت تتهمه بالعمل مع الرئيس السوري بشار الأسد، والتنسيق معه ومع الجيش السوري. وقال إن تركيا باتت مقتنعة بمشروع الإدارات المحلية، وإنها لا تستطيع أن تحرم أكراد سوريا ما ستعطيه لأكرادها في الداخل التركي، وهو مشروع الحكم الذاتي. لكن مسلم تراجع عن مشروع الحكم الذاتي واكتفى حاليا بإدارات بلدية محلية منتخبة في المناطق "المحررة".

وفيما تتعثر حتى الآن مسيرة حل القضية الكردية في تركيا، التي تم الاتفاق عليها مع أوجلان، تشعر أنقرة أن عليها أن تخطو خطوات حاسمة تجاه موقفها من مستقبل الأكراد داخليا وإقليميا، وأن تترك ترددها وموقفها التاريخي الرافض لقيام كيانات كردية في المنطقة، بعد أن اعتادت على التعامل مع واقع إقليم كردستان العراق.

فبينما لا يزال في أنقرة من يخشى أن تنتهي قصة الكيانات الكردية في المنطقة بتقسيم تركيا وقيام دولة كردية، فإن بين مستشاري رئيس الوزراء من ينادون بالعودة إلى الحلم الذي عاشه الرئيس السابق ترجت أوزال، بضم الأقاليم الكردية في العراق -وإن أمكن سوريا لاحقا- الغنية بالنفط من خلال استفتاء شعبي، لإقامة كونفدراليات كردية مع تركيا.

ويستشهدون في هذا الصدد بإبرام تركيا اتفاقيات مع إقليم كردستان العراق لنقل ما ينتجه من نفط دون إذن بغداد أو موافقتها.