بوريس بيريزوفسكي رجل الأعمال الروسي الذي توفي في لندن السبت، هو الرجل الذي تحول من مندوب مبيعات للسيارات إلى شخص ساعد على تهيئة فلاديمير بوتين للرئاسة، ثم إلى معارض سياسي وملياردير يقوم بدور في كل مرحلة حيوية في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي التي شهدت أحداثا عاصفة.

ومنحت الخبرة السياسية لبيريزوفسكي، الذي درس الرياضيات، القوة التي جعلته يتجاوز منصبه في مشوار صنع له العديد من الأعداء، أبرزهم بوتين الرجل الذي ساعد على توليه السلطة.

وفي بلد يزخر بالمؤامرات ويشتهر بغموض مركزه السياسي الكرملين من عهد القياصرة، فإن المناورات التي قام بها جعلته أهلا لتشبيهه بغريغوري راسبوتين "الراهب المجنون" الذي كان يدير كل أمور روسيا من وراء الكواليس.

اعتبر البعض أنه شارك في إنقاذ الصورة السياسية للرئيس الراحل بوريس يلتسن، وتشكيل بوتين ليلائم الرئاسة بمساعدة المال والإعلام. لكن بعد ذلك ألقي عليه اللوم سواء رسميا أو لا في اضطرابات أعقبت خلافه مع الكرملين.

وتبادل بيريزوفسكي اتهامات غير رسمية مع السلطات الروسية فيما يتعلق بجرائم قتل مثل اغتيال ألكسندر ليتفيننكو بتسميمه بالبولونيوم في لندن عام 2006، كما أنه هو شخصيا نجا من محاولات اغتيال.

ففي عام 1994 تم تفجير سيارة بيريزوفسكي وقتل سائقه. وفي عام2007 قال إن الشرطة البريطانية حذرته من مؤامرة لقتله.

أما موته عن 67 عاما فربما يكون بداية لأحدث لغز. وقالت الشرطةالبريطانية إنه مات "لأسباب غير معروفة".

وولد بيريزوفسكي في موسكو عام 1946، وبعد أن تخرج من معهد موسكو لتكنولوجيا الأخشاب في 1967 حصل على شهادة أعلى في الفيزياء والرياضيات وأصبح عضوا في أكاديمية العلوم.

بيريزوفسكي من أشد معارضي الشيوعية وصنع اسمه من خلال بيع السيارات، وأصبح في التسعينيات يسيطر على إمبراطورية مالية هائلة تستند إلى العملاق الصناعي لوجو فاز للسيارات.

وباعتبار أن بيريزوفسكي صديق لأسرة الرئيس الراحل يلتسن وممول حملة إعادة انتخابه عام 1996 وعضو في شبكة تلفزيونية رئيسية، فقد ساعد يلتسن على التغلب على اعتلال صحته والتحديات التي مثلها الشيوعيون أمام فوزه بفترة ثانية.

شبه جينادي زيوغانوف زعيم الحزب الشيوعي بيريزوفسكي لاحقا براسبوتين، ذلك الراهب الذي كان له تأثير كبير على عائلة آخر قياصرة روسيا نيقولا الثاني.

حصل بيريزوفسكي على مقعد في مجلس الأمن الروسي خلال عهد يلتسن، وساعد على تنفيذ اتفاق سلام أنهى أول حرب روسية مع المقاتلين الشيشان. وكان وسيطا في محادثات لتحرير رهائن هناك.

ويقول كثيرون إن بيريزوفسكي قام بدور رئيسي في إخراج بوتين منطور الشخصية المغمورة وأدار بنفسه عملية اختيار يلتسن للضابط السابق في جهاز المخابرات (كيه.جي.بي) ليكون قائما بأعمال الرئيس عندما تنحى بشكل مفاجيء في آخر أيام عام 1999.

وقال المعلق سيرغي بارخومنكو "قدم (بوتين) إلى المؤسسة الروسية في ذلك الوقت وصار ضمن الدائرة الضيقة المحيطة ببوريس يلتسن، وكان من أول من يؤمنون بأنه يمكن إخراج خليفة من هذا الموظف الحكومي المغمور".

لكن بيريزوفسكي اختلف مع الكرملين في مستهل الفترة الأولى لبوتين، وانتقل إلى بريطانيا حيث منح حق اللجوء.

ظل يوجه الانتقادات لبوتين طوال 10 سنوات من لندن، حيث كان في منأى عن القضايا التي حكم عليه فيها بالسجن غيابيا، والتي وصفها بأن وراؤها دوافع سياسية. ووحد الصف مع معارضين آخرين لتوجيه اتهامات للدولة الروسية بجرائم قتل وانتهاكات للحقوق.

رفضت السلطات الروسية هذه المزاعم، ووصفتها بأنها محاولات لتشويه سمعة روسيا، وحاولت قلب الطاولة. وأصبح المسؤولون ووسائل الإعلام الحكومية يصورونه على أنه شخصية هزلية شريرة، وأنه مسؤول شخصيا عن بعض الجرائم.

تعثر بيريزوفسكي عندما فقد معركة قانونية كلفته 6 مليارات دولار مع مالك نادي تشيلسي الإنجليزي لكرة القدم، رومان أبراموفيتش، الذي اتهمه باستغلال تهديد انتقام الكرملين لإجباره على بيع أصول بسعر بخس.

قال إليكسي فنديكتوف، رئيس تحرير إذاعة إيخو موسك الروسية"بعد الهزيمة في المحكمة... شعر باكتئاب شديد."

وأضاف عن وفاته "ربما كانت صحته، بما في ذلك الاكتئاب وكبر سنه... لم يأخذ (بيريزوفسكي) المسائل ببساطة أبدا.. كان مقاتلا.. كانت طبيعة حياته مفعمة بالنشاط، وللأسف غادر الحياة بهذه الطريقة".

ومضى فنديكتوف يقول إن بيريزوفسكي يترك وراءه سمعة متضاربة، مضيفا أن كثيرا من الروس يرونه "شخصية أسطورية مثل هرقل أو على العكس.. مثل هاديس".