تعيش الهيئات التمثيلية للمسلمين في فرنسا، على وقع تغييرات تبدو جذرية في إدارة شؤونها، إذ شارفت المشاورات بين الحكومة والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بشأن تأسيس "المجلس الوطني للأئمة"، على النهاية.

وقد قدم أعضاء مجلس الديانة الوثائق التأسيسية للمجلس الوطني للأئمة، ليكون مسؤولا عن إصدار الاعتمادات لأئمة المساجد والخطباء في البلاد أو سحبها منهم، إلى الرئيس إيمانويل ماكرون خلال اجتماع جمعهم، الخميس الماضي.

وطلب ماكرون من محاوريه أن يضعوا في غضون 15 يوما "ميثاقا للقيم الجمهورية" يتعين على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الالتزام به، على أن يتضمن الميثاق تأكيدا على الاعتراف بقيم الجمهورية، وأن يحدد أن الإسلام في فرنسا هو "دين وليس حركة سياسية"، وأن ينص على إنهاء التدخل أو الانتماء لدول أجنبية.

وبحسب تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، يوجد نحو 120 إماما مبتعثين من الجزائر و30 من المغرب. كما تقوم رئاسة الشؤون الدينية التركية "ديانات" بتوظيف 151 إماما تركيا في المساجد الفرنسية، وتدفع أجورهم مباشرة من تركيا، كما يتلقون تدريبا وتعليما في مدارس دينية تركية.

وكان ماكرون أعلن في بداية أكتوبر الماضي عن إنشاء ما سماه "المعهد العلمي لعلوم الإسلام"، لتدريب أئمة وباحثين متخصصين في دراسة الإسلام والمعرفة الإسلامية الدينية.

ماهي مهام المجلس؟

ويقول عميد جامع باريس الكبير، شمس الدين حافظ، إن مهام المجلس ستكون واسعة ولن تشمل فقط منح الاعتماد للأئمة والخطباء والدعاة.

ويضيف حافظ في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "من المهام الأخرى تدريب الأئمة وفقا لمناهج إسلامية تتوافق مع واقع المسلمين في البيئة الفرنسية، واحترام قوانين الدولة، وكذلك مساعدة الأئمة المعتمدين في سياق برنامج متكامل لمنع التطرف، ووضع توصيات لتنسيق الممارسات الدينية في جميع أنحاء التراب الفرنسي، إلى جانب تعزيز التماسك الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم من المواطنين واحترام التعددية".

وأشار إلى أنه من المقرر أن تتطور تركيبة المجلس الوطني للأئمة من أجل السماح للمرأة بأن تكون جزءا منه، معتبرا أن هذا سيؤدي إلى إصدار الموافقات والاعتمادات اللازمة للنساء المسؤولات عن التعليم الديني في أماكن العبادة.

فيما نقلت جريدة "لوموند" الفرنسية عن أحد مستشاري ماكرون قوله، إن مقترح تشكيل مجلس الأئمة "سيكون ناجعا، حتى أن المجلس سيكون قادرا على إلغاء بطاقة اعتماد أي إمام في حالة وقوع مخالفات".

أخبار ذات صلة

فرنسا.. ماذا بعد حلّ الجمعيات الإخوانية؟
أوروبا تقيّد "أذرع أردوغان".. والبداية مع "الذئاب الرمادية"
الأئمة الأتراك في الغرب.. إرهاب وجاسوسية
معهد أوروبي لتدريب الأئمة.. هل ينجح بالتصدي للإخوان وتركيا؟

ويوجد اليوم في فرنسا حوالي 2500 مكان عبادة للمسلمين ونحو 2000 إمام، إلا أن عددا كبيرا من هؤلاء الأئمة لم يتلقوا أي تدريب ديني جامعي.

وكان رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، أعلن في أعقاب الهجوم الإرهابي في العاصمة النمساوية فيينا، أنه يؤيد إنشاء "معهد أوروبي لتدريب الأئمة".

وشدد على ضرورة إجراء مناقشات على المستوى الأوروبي فيما يتعلق بهذه الهيئة التي ستشرف على تدريب الأئمة، وتضمن عدم مساهمة خطابهم في نشر "أيديولوجية الكراهية" و"قبول سيادة القانون المدني".

عوائق أيديولوجية

من جانبه، يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية في أوروبا، هادي يحمد، أن المقترح من حيث المبدأ "جيد"، وأنه يمكن أن يكون "نظريا على الأقل مخرجا من مأزق استيراد الأئمة من تركيا والمغرب والجزائر".

وفي الوقت نفسه، نوه إلى أن المقترح سيكون بمواجهة "العديد من العوائق الموضوعية، خاصة العائق الذاتي المتعلق بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المشرف على المشروع".

ويضيف يحمد في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "الهدف الرئيسي من تشكيل مجلس الأئمة سيكون وقف التدخل الأجنبي في تدريب وتعيين الأئمة في المساجد الفرنسية، لكن في المقابل فإن مجلس الديانة المكلف بالإشراف على المشروع يتألف من 7 اتحادات إسلامية، كل واحد منها لديه ولاء لدولة في الخارج، وهنا تكمن المفارقة".

وتابع: "كما أن التوترات بين باريس وأنقرة جعلت إدارة ماكرون تسرع الخطى في قطع الاستعانة بالخارج في ملف أئمة المساجد، باعتبار تركيا أكثر الدول الأجنبية توريدا للأئمة لفرنسا".

ولفت يحمد أيضا إلى أنه في المقابل، توجد "منظمتان ضمن مجلس الديانة الفرنسية مقربتان من تركيا، هما اللجنة التنسيقية لمسلمي تركيا في فرنسا، وهي منظمة تابعة إداريا وماليا للدولة التركية واتحاد المنظمات الإسلامية وهو الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان"، معتبرا أن التوفيق بين الولاء الخارجي وإنشاء مجلس أئمة وطني فرنسي صرف "سيكون صعبا، إن لم يكن مستحيلا".

وسرّعت الهجمات الإرهابية الأخيرة وتيرة الجدل الفرنسي الداخلي بشأن التأثيرات الخارجية التي يتعرض لها المسلمون في فرنسا، على رأسها أئمة المساجد الأجانب، والتمويل الخارجي للمساجد والجمعيات الإسلامية.

وبدأت الحكومة الفرنسية في أعقاب حادثة ذبح المدرس صامويل باتي، في إجراءات حل العديد من الجمعيات الإسلامية التي اتهمتها بالتطرف، وكلها جمعيات ذات ولاء أو تمويل أجنبي.