لم يكتف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإشعال المشهد في شمال سوريا، ولا بإثارة المزيد من العداوات مع محيطه الإقليمي من خلال تهديد أوروبا بفتح الأبواب لملايين اللاجئين للزحف تجاه القارة العجوز، فها نحن نراه يمضي في طريق الكراهية التي تقتل صاحبها نحو البحر الأبيض المتوسط، في محاولة لإثارة الاضطرابات والقلاقل.

ما الذي يريده أردوغان، وهل ما يفعله هو حالة من حالات الهروب التكتيكي بسبب عجزه الاستراتيجي في الداخل، وعدم مقدرته على مواجهة الأزمات المتراكمة يوما تلو الآخر داخل بلاده؟

وعلى حين غرة وجد سكان حوض البحر الأبيض المتوسط تركيا تستخدم "كعب أخيل" للولوج إلى مياه المتوسط من خلال مذكرتي تفاهم بين حكومة فايز السراج وتركيا، اتفاقية من شقين، الأول أمني عسكري، والثاني اقتصادي.

وقبل بلورة صورة عن ذلك الاتفاق غير القانوني، والذي لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يرتب أي تبعات قانونية أو أممية سيادية، يتحتم علينا الإشارة إلى عدة نقاط توضح لنا الأهداف الحقيقية من وراء هذا التحرك الأخير.

بداية ليس سرا يذاع أن تركيا ومنذ بدايات ما أطلق عليه الربيع العربي عام 2011 تلعب دورا تخريبيا واضحا للعيان في دعم المتشددين، والبداية من الإخوان المسلمين في مصر، وقد خيل لأردوغان أن الإمبراطورية العثمانية البائدة في طريقها إلى الرجوع مرة جديدة، وأن أوان العثمانيين الجدد قد حل.

إلا أن إسقاط مصر لهذا المخطط الأثيم، جعل أردوغان يشعر بأنه تعرض إلى طعنة نافذة في القلب، ولهذا وجد ضالته في بعض مناطق القسم الغربي من ليبيا حيث الإخوان والقاعدة وداعش وبقية جماعات الإرهابية والتي لم تتوقف تركيا عن دعمها بالسلاح والتدريب، بل إن الطائرات المسيّرة بدون طيار التي ظهرت هناك كانت تركية الصنع، بالإضافة إلى سفن وقطع بحرية تم ضبط بعضها.

ومؤخرا تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، من تدمير غرفة للتحكم في الطائرات المسيرة التركية في طرابلس.

والشاهد أن ما يريده أردوغان يمضي في أكثر من اتجاه ، فهو عبر الاتفاق العسكري مع السراج يجد منفذا لتسليح الإرهابيين بشكل رسمي، وينقل المعركة لوجستيا إلى الأراضي الليبية، من خلال وجود أقرب ما يكون لقاعدة تركية على الأراضي الليبية.

وهناك أيضا بعد آخر يوضح بجلاء مقدار الضغائن التي تعتمل في عقل وقلب أردوغان تجاه مصر، إذ يعلم القاصي والداني أن مصر وقيادتها السياسية ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي قد سببت وتسبب له هواجس افقدته اتزانه، وجعلته يحلم بانكسار مصر.

ولم تتوقف المؤامرات التركية الخبيثة ضد "أرض الكنانة" من الجانب الغربي الليبي على حدودها ، وقد تسربت بالفعل بعض العناصر الإرهابية في لحظات بعينها، وارتكبت أياديها الملوثة بالدماء أعمالا ارهابية بشعة راح ضحيتها مصريين أبرياء، غير أن صحوة الجيش المصري أبطلت جلها، وها هو أردوغان يسعى من جديد لإحياء تحالف عسكري هدفه الأول زعزعة استقرار البلاد والعباد في أرض السلام.

ولا تتوقف محاولات أردوغان العدائية ضد مصر عند هذا الحد، فقد سعى من قبل لإيجاد أكثر من موطئ قدم في عمق القارة السمراء، وخير مثال على ذلك جزيرة سواكن السودانية التي خسرها بعد سقوط نظام عمر البشير.

أخبار ذات صلة

عدد قياسي من السجناء في تركيا

 

أخبار ذات صلة

تسريبات لاتفاق "السراج أردوغان" تكشف خطة "نهب ثروات" المتوسط

رسالة لأوروبا

إن اتفاق أردوغان والسراج لا يستهدف مصر فحسب، فهو رسالة إلى أوروبا التي يحمل أردوغان لها ضغائن تاريخية كثيرة، تتضح من خلال تصريحاته، وحقده على الأوروبيين بعد إدراكه أنه لا مكان له في الاتحاد.

ويسعى أردوغان جاهدة للاقتراب من البحر الأبيض المتوسط لإعاقة خطط التعاون المصري الأوروبي على صعيد اكتشافات الغاز في مياه المتوسط، بينما تتحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة في حوض البحر المتوسط من خلال الاكتشافات العديدة، والتي لن يكون آخرها حقل "ظهر العملاق".

فالخرائط الجيولوجية و"المسح السيزيمي" لمصر برمتها من الدلتا إلى البحر الأحمر وصولا للمتوسط يبين أن مصر تسبح فوق أحواض غاز وبحيرات نفط غير مسبوقة، الأمر الذي تنبهت له دراسات وتقارير استخباراتية أميركية، خلصت إلى أن مصر بحلول العام 2022 ستصبح مركزا متقدما في استخراج الطاقة على الصعيد العالمي، ولهذا تحدّث البنية التحتية لمشروعات تسييل الغاز وتكرير البترول، وتتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، وتزيد إنتاج محطات الكهرباء من أجل الوفاء باحتياجات السوق المحلي بداية، وتاليا فتح قنوات التصدير لأوروبا.

ويخيل لأردوغان أنه قادر على ضرب الخرائط الدولية التي تنظم عمليات التنقيب عن الغاز عرض الحائط، وأن الاتفاقية مع السراج في شقها الاقتصادي كفيلة بأن تجد له موقع قدم في المنطقة، ولو في غير مياهه الإقليمية، ويفوته أن البحث عن الغاز والنفط يتطلب بداية التوقيع على الاتفاقية الدولية للبحار، وفهم أن الترسيم بين الدول المتشاطئة مسألة لها شرعتها الأممية، أما الحديث عن التنقيب في مياه يفصله عنها قبرص والجزر اليونانية، فهذا خارج كافة الإطارات الدولية ويعد بمثابة إعلان حرب.

ويقتضي حديث الحرب الإشارة إلى أن أحلام أردوغان سوف تقضي عليه وعلى حلفائه في الداخل الليبي، أما في الخارج فقد بدأت تتبلور في الساعات الأخيرة رؤية فرنسية إيطالية مصرية تجاه " البلطجة " التركية في مياه المتوسط ، كما أن قبرص العضو في حلف "الناتو" طلب رسميا حماية من الحلف تجاه سعي أردوغان امتهان المياه الإقليمية القبرصية.

أما في الداخل الليبي، فقد جاء الاتفاق مع السراج ليفتح للمشير حفتر والجيش الوطني الليبي، بابا تاريخيا للانتصار على السراج والميليشيات الإخوانية والداعشية والقاعدية المتحالفة معه، فقد أغضبت المذكرة شيوخ قبائل مصراتة، باعتبارها تنتهك سيادة واستقلال ليبيا.