نشرت صحيفة "غيرهات" التركية، قصة مؤثرة لمعاناة مدرس تعرض لأبشع أنواع التعذيب، بعد اتهامه بالمساهمة في محاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 2016.

رحلة المدرس التركي مصطفى ك. (40 عاما) وعائلته من داخل جحيم السجون التركية، رواها هو بنفسه في مقابلة مطولة مع الصحيفة.

تبدأ القصة خارج تركيا في دولة لم يفصح عنها، حينما كان يعمل هو وزوجته بالتدريس، في فترة لم تدم طويلا، حيث اضطر مدرس العلوم الاجتماعية بعدها إلى العودة مع زوجته نيلغون وطفليهما، إلى تركيا، لرعاية والده المسن، الذي تعرض لجلطة دماغية أصابته بالشلل في 2015.

وبسبب التكاليف المادية الكبيرة لعلاج والده، وكذا والدته، فلم تكن الحياة سهلة للعائلة في أنقرة.

في يوم محاولة الانقلاب 15 يوليو 2016، كانت العائلة في المستشفى بسبب حمل الزوجة بطفلهما الثالث، وبسبب فترة حملها التي عرضتها لمشاكل صحية كثيرة، اضطرت العائلة أن تكون في المستشفى لفترات طويلة ذلك العام.

وبعد وقوع الانقلاب، قرر مصطفى السفر مع عائلته والعودة إلى البلد الذي قدم منه، بعد أن شعر أن حملة البحث واعتقال الأتراك المناصرين لفتح الله غولن قد تطالهم أيضا.

ولكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، حيث صدقت توقعات مصطفى، وتم اعتقال العائلة في مطار أنقرة، قبل مغادرتهم للبلاد.

تبين لاحقا أن مخبرا تركيا أبلغ السلطات، بأن مصطفى هو عنصر في حركة المعارض التركي فتح الله غولن، وأنه شخص كان ينظم خطابات دينية باسم الحركة.

مصطفى وعائلته

رحلة العذاب

مصطفى تم احتجازه لمدة 30 يوما في سجن تركي، تعرض خلالها لتجارب، قد يصعب منه تجاوزها نفسيا وجسديا، مدى الحياة، بعد أن تحدث عن حياته داخل السجن في رسالة طويلة كتبها للمحكمة التركية.

"شعرت بالحرج الشديد عندما رأيت رجال الشرطة الأتراك يشتمون بأبشع الألفاظ. لم أسمع أبدا مثل تلك الألفاظ في حياتي. حتى أنهم قالوا إنهم سيغتصبون زوجتي. ذات مرة، قام 5 من ضباط الشرطة بتعذيبي وكذلك إهانتي من خلال شتم زوجتي".

وخلال فترات التعذيب الجسدي واللفظي اليومية، هدد عناصر الشرطة مصطفى: "إما أن تعترف أو سوف تموت. ليس لدينا شيء نخاف منه.. يمكننا أن نقتلك هنا ثم نكتب تقريراً، هذا كل شيء. لا أحد يستطيع أن ينقذك بعد الآن".

وتطورت جلسات التعذيب عندما نقل مصطفى لمركز "مكافحة الإرهاب" في أنقرة، حيث تعرض لضرب يومي وإهانات متكررة، شملت تجريده من ملابسه.

وبعد أن قارب مصطفى من الموت عدة مرات، طلبت الشرطة منه إعطاءهم اعترافا بأنه قام بالتخطيط للانقلاب، الأمر الذي رفضه مصطفى، لتقرر الشرطة بعدها وضعه تحت الحبس المنزلي، بانتظار قرار المحكمة، التي كان متوقعا أن تصدر حكما متعلقا بالإرهاب بحقه، كان سيضعه بالسجن مدة تتراوح بين 10 و22 عاما، وفقا للمحامي الموكل إليه.

المعجزة

وفي ليلة السادس من أغسطس 2018، قرر مصطفى كسر جهاز المراقبة المربوط بكاحله داخل المنزل، والهرب إلى اليونان مع عائلته.

يقول، "أقمنا في اليونان منذ أكثر من شهر. لم أكن أشعر بالارتياح لمدة 20 إلى 30 يوما. أقول كل صباح عندما أستيقظ "يا إلهي، أتمنى ألا يكون هذا حلما".

ويعيش مصطفى الآن بأمان مع عائلته، ولكن ما مر به في السجون التركية، هو أمر سيبقى خالدا في ذاكرة ذلك المدرس التركي.

ووفقا له، فإن ما تعرض له كان على يد فريق خاص في أنقرة متخصص في تعذيب المعتقلين في أماكن تسمى "الغرف الخاصة". ما يحدث هناك لا يمكن تسجيله، ولكنه يبقى في ذاكرة المعذبين.

ويذكر أن تركيا عزلت حوالي 170 ألفا من القضاة والمعلمين والشرطة وموظفي الخدمة المدنية منذ محاولة انقلاب يوليو 2016. وفي ديسمبر 2017، أعلنت وزارة العدل أن أكثر من 169 ألف شخص خضعوا لإجراءات قانونية بتهم التخطيط للانقلاب.