نشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية تفاصيل واقعة اعتقال وترحيل 6 مواطنين أتراك من كوسوفو في مارس الماضي، مرجعة ذلك إلى ما وصفته بـ"الذراع الطويلة" للرئيس رجب طيب أردوغان لمطاردة "الغولنيين"، في إشارة إلى رجل الدين فتح الله غولن، حول العالم.

وقال محامي العائلات الستة إن الرجال، وجميعهم يعملون في مدارس مرتبطة بحركة غولن، اعتقلوا ورحلوا في طائرة خاصة إلى تركيا، وتعرضوا للتعذيب في الطريق.

ويلقي أردوغان باللائمة على غولن رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة وأتباعه، في محاولة انقلاب عسكري فاشلة في يوليو 2016.

وتتهم السلطات التركية جيهان أوزكان وحسن حسين غونكان وكهرمان ديميريز ومصطفى إرديم وعثمان كركايا ويوسف كارابينا، بالانتماء إلى ما تصفه أنقرة بـ"منظمة فتح الله الإرهابية".

وعلى نطاق واسع، نشرت وسائل الإعلام التركية صور الرجال، وقالت إنهم أعضاء في المنظمة الإرهابية.

وبعد ما يقرب من 6 أشهر مما وصفته بعض وسائل الإعلام المحلية في كوسوفو بـ"الاختطاف"، فإن الاتهامات المتعلقة بأنشطة إرهابية مزعومة لا تزال غير منطقية لعائلات المعتقلين أو زملائهم في كوسوفو، التي يبدو أنها "غفرت بسهولة بالغة" تدخل المخابرات التركية على أراضيها.

ويقول نظمي أولوس، مدير كلية محمد عاكف، وهي مدرسة تابعة لغولن في ليبجان بالقرب من مدينة بريشتينا في كوسوفو: "ينظر إلى أصدقائنا المعتقلين والمرحلين على أنهم جزء من محاولة الانقلاب. كيف يكون ذلك ممكنا؟ يبدو الأمر سخيفا".

وأضاف: "نظام أردوغان يتتبعنا. أذرعه الطويلة موجودة في كل مكان، خاصة في البلقان".

أكثر من 100 عملية اختطاف

لكن الأمر لا يبدو سخيفا بالنسبة لأردوغان الذي أعيد انتخابه في يونيو كرئيس لولاية أخرى مدتها 5 سنوات.

تقول "هاآرتس" إن الأشهر الأخيرة شهدت عمليات اختطاف مماثلة لمن يقال إنهم أتباع غولن في أذربيجان وأوكرانيا والغابون، في حين أحبطت منغوليا محاولة اختطاف من قبل قوات الأمن التركية في آخر لحظة.

وفي الشهر الماضي، تفاخر وزير الخارجية التركي مولود أوغلو بأن 100 شخص على الأقل من أعضاء حركة غولن قد اختطفوا على يد عملاء المخابرات التركية في الخارج واقتيدوا إلى تركيا، في العامين الماضيين.

تفاصيل الاختطاف

في مارس الماضي، كان زوج ياسمين كارابينا (يوسف) واحدا من الأتراك الستة في كوسوفو الذين اختطفتهم وكالة مخابرات كوسوفو، في عملية سرية في الصباح الباكر.

تروي ياسمين كارابينا أحداث اختطاف زوجها يوسف، وهو نائب مدير مدرسة تابعة لغولن في ليبجان، قائلة إن رجال في هيئة شرطة استوقفوا سيارة يوسف وهو يقود بصحبة زوجته وابنه (15 عاما) وسألوه عن وثائق الإقامة، ثم أجبروهم على النزول بعنف من سيارتهم، الأمر الذي أدى إلى خوف ابنها.

وأضافت: "كنا على علم باختطاف ما يسمى بـ(الغولنيين) في أجزاء أخرى من العالم".

وفي فيديو مصور تظهر ياسمين وهي تحاول إيقاف السيارات المارة لإبلاغهم عما يحدث، بعدما تأكدت أن من استوقفوا زوجها ليسوا برجال شرطة، لكن من دون جدوى.

وقالت ياسمين إنها كانت تصرخ، قائلة: "إنهم ليسوا رجال شرطة!" لسائقي السيارات الآخرين.

أما أولكاي ديميريز، فتقول إن زوجها الذي يعمل معلما بإحدى المدارس التابعة لغولن، ذهب إلى عمله قبل الثامنة صباحا، للمساعدة في إعداد الطلاب لرحلة ميدانية.

وقالت: "كان التلاميذ ينتظرون الحافلات، ثم جاءت 3 سيارات شرطة إلى المدرسة. تقدم زوجي للقائهم مصافحا الضباط، كان لديه علاقة جيدة مع الشرطة".

وأخبر رجال الشرطة ديميريز أن هناك بعض المسائل المتعلقة بأوراق هويته، ويتعين عليهم اقتياده إلى مركز الشرطة، وأضافت زوجته: "قيدوه أمام الطلاب، وأجبروه على ركوب السيارة. كأم، كامرأة، أشعر بالإهانة العميقة من هذا الوضع".

أما فايزا غونكان فتقول إن زوجها اعتقل من المنزل بينما كانت في عملها في إحدى المدارس التابعة لغولن، قائلة: "ما زلنا قلقين بشأن ما يمكن أن يحدث لنا هنا".

"الخوف من أردوغان"

ورغم أن بعض المتابعين يقولون إن مثل هذه الإجراءات التركية الصريحة لن تحدث في كوسوفو أو في بلدان أخرى في المنطقة مرة أخرى، فإن "الخوف من أردوغان" أصبح شبحا يهدد المواطنين الأتراك الذين يعيشون في كوسوفو.

ووفقا لتقارير إعلامية حديثة، فإن عشرات المواطنين الأتراك في كوسوفو تقدموا بالفعل بطلب للجوء والخروج من البلاد، وفي غضون ذلك، أفادت أنباء أن أسرة أحد الرجال، وهو مصطفى إردم، مدير كلية محمد عاكف في ليبجان، فرت من كوسوفو قبل عدة أشهر، وتقدمت بطلب للحصول على اللجوء في ألمانيا.

لكن رئيس وزراء كوسوفو راموش هاراديناي حاول تهدئة تلك المخاوف، ووفقا لما ذكرته ياسمين كارابينا، أخبرها هاراديناي أن "لا شيء من هذا القبيل سيحدث مرة أخرى".

وبعد عمليات الاختطاف، ادعى هاراديناي أنه لم يكن على علم بها، وفي اليوم التالي، أقال وزير الداخلية ورئيس المخابرات، وانتقد لاحقا أردوغان، قائلا إن المواطنين الأتراك الستة "لم يتم ترحيلهم، بل تم اختطافهم".

لكن رئيس كوسوفو هاشم ثاتشي بدا في البداية وكأنه يبرر عمليات الاختطاف، فقد أخبر وسائل الإعلام المحلية بعد يومين من هذه الوقائع أن الرجال كانوا متورطين في "أعمال غير قانونية"، وشكلوا تهديدا "للأمن القومي" للبلاد، ثم تراجع عن تلك التعليقات لاحقا.

تقول ياسمين كارابينا: "من المؤسف أن السياسيين في كوسوفو لديهم صلات مع هذا الرجل في تركيا (أردوغان)".

و"هذا الرجل في تركيا" لم يكن راضيا بالتأكيد عن تعليقات هاراديناي، فقال أردوغان، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع ثاتشي، بعد يوم من انتقاد رئيس وزراء كوسوفو له: "إن سؤالي إلى رئيس وزراء كوسوفو هو: كيف يمكنك (الدفاع) عن هؤلاء الأشخاص الذين حاولوا الانقلاب على بلد شقيق لكوسوفو، هي تركيا؟ أجب عن هذا".

النفوذ الاقتصادي

وتتمتع تركيا بنفوذ اقتصادي كبير في كوسوفو، وكانت أيضا واحدة من أوائل الدول التي اعترفت بكوسوفو بعد أن أعلنت استقلالها من جانب واحد عن صربيا في فبراير 2008.

ووفقا لما قاله لسكرتير العام لغرفة التجارة بين كوسوفو وتركيا إسين موزبج، فمن المقرر أن تصبح تركيا ثالث أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة في كوسوفو في عام 2018.

وتدير شركات تركية المطار الدولي الوحيد في كوسوفو، وشبكة الكهرباء في البلاد، وتبني بمليارات الدولارات طرقا سريعة جديدة، كما تنشط وكالات الدولة، مثل منظمة المساعدة الإنمائية الرسمية لتركيا، في إعادة إرث كوسوفو في العهد العثماني.

والآن تخطط لبناء مسجد كبير جديد في وسط مدينة بريشتينا، على الطراز العثماني القديم.

كما حاول أردوغان ممارسة سيطرته على كوسوفو بطرق أخرى، فقبل بضع سنوات، راجعت حكومة كوسوفو كتب التاريخ الخاصة بها، بضغوط تركية، لتدريس الحكم العثماني بشكل أكثر إيجابية.

وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة دعا سفير تركيا في كوسوفو إلى اعتقال أحد الصحفيين الذي سخر كتب ساخرا من هذه القضية، كما تضيق الحكومة الخناق على الفعاليات المتضامنة مع الأكراد.

ويؤيد عبد الهادي كراسنيك، رئيس بلدية ماموزا، البلدية الوحيدة ذات الأغلبية التركية في كوسوفو، اعتقال الرجال الستة، قائلا: "إنهم مواطنون أتراك مرتبطون بمنظمة حاولت الإطاحة بالحكومة التركية المنتخبة"، ويعتقد أن عمليات الاختطاف والترحيل تمت بشكل قانوني.

ورغم تعهدات هاراديناي ومسؤولين آخرين بحماية الأتراك على أرض كوسوفو، لا تزال زوجات وعائلات الرجال المرحلين تعيش خائفة على مستقبلهم.