توفي الجنرال الفرنسي بول أوساريس عن عمر 95 سنة، كان مسؤول الاستخبارات السابق في الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي واعترف بممارسة التعذيب خلال حرب تحرير الجزائر.

في 2001 اعترف أوساريس مسؤول المخابرات السابق في الجزائر المستعمرة في كتابه "المصالح الخاصة في الجزائر 1955-1957" أنه مارس التعذيب "بموافقة إن لم يكن بأمر" من المسؤولين السياسيين.

وتسببت اعترافاته ثم ما تبعها من مقابلات في الصحافة في إثارة عاصفة سياسية في فرنسا. فالرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك الذي كان ملازما خلال حرب الجزائر قال إنه أصيب بـ"الرعب" من هذه التصريحات العلنية.

واعتبرت المناضلة الجزائرية خلال حرب تحرير الجزائر وإحدى ضحايا التعذيب لويزات إيغيل احريز أنه كان على الجنرال أوساريس أن "يقدم اعتذاره" لممارسته التعذيب.

وقالت "كان صادقا باعترافه بتعذيب الجزائريين (...) لكنه لم يذهب إلى أبعد من ذلك. كان عليه تقديم اعتذاراته".

وأضافت "على الأقل هو اعترف بممارسة التعذيب على عكس الجنرال (مارسيل) بيجار" أحد أبرز ضباط الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية وحربي الجزائر والهند الصينية والمتوفي في 2010.

وأعادت إيغيل احريز فتح النقاش بشأن التعذيب من خلال شهادة صادرة في جريدة لوموند الفرنسية.

وأكدت في شهادتها ثم في كتابها "جزائريات" الصادر في 2001 أنها تعرضت للتعذيب في 1957 على يد ضباط فرنسيين من فرقة المظليين العاشرة.

وبالنسبة للجنرال فإن التعذيب "يصبح شرعيا عندما يكون الأمر ملحا" وأكثر من ذلك اعترف الرجل الذي يظهر في الصور وهو يغطي عينه اليسرى إنه "نادرا ما يصبح المعتقلون المستجوبون في الليل أحياء في فجر اليوم الموالي، فهم يتعرضون للتصفية سواء تكلموا أم لا".

وبعد الحكم النهائي عليه بتهمة الإشادة بالتعذيب في 2004، أحيل الجنرال على التقاعد وجرد من وسام الشرف كما منع من حمل شاراته.

وفي 2008 أصدر كتابه الأخير "لم أقل كل شئ" وأكد فيه "لا أريد أن يستمر المنافقون الذين جردوني من وسام الشرف الذي حصلت عليه في المعارك، في إنكار تاريخ فرنسا".

ولد أوساريس في السابع من نوفمبر 1918 في سانت بول كاب دو جو (جنوب غرب فرنسا)، وتطوع في 1941 في المخابرات الفرنسية قبل أن يلتحق بفوج المظليين الصاعقة البريطانيين الذي كانوا يخترقون الخطوط الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.

وبعدما شارك في حرب الهند الصينية قائدا لفرقة من المظليين، كلف في 1957 إعادة النظام في العاصمة الجزائرية حيث قاد "فرقة الموت" التي قامت باعتقالات في الليل تلتها عمليات تعذيب وتصفية بعض الأشخاص المعتقلين.

ومنذ بداية سنة 2000 اعترف أوساريس بأن "التعذيب فعال جدا فأغلب الناس ينهارون ويقرون بما يعرفون..لم يطرح لي أي مشاكل.. لقد تعودت على كل ذلك".

وأضاف "سأقوم اليوم بما قمت به في السابق ضد بن لادن مثلا لو أمسكه بين يدي كما فعلت مع العربي بن مهيدي" أحد قادة جبهة التحرير الوطني التي قادت حرب التحرير بين 1954 و1962.

وكان أوساريس يؤكد دوما أنه ارتكب أفعاله بموافقة مسؤوليه العسكريين و السلطات السياسية. وتساءل "هل أنا مجرم؟ قاتل؟ وحش؟ لا، فأنا لست سوى جندي قام بما قام به من أجل فرنسا بما أن فرنسا هي التي طلبت ذلك".

وكان صدور كتابه "المصالح الخاصة..." ونجاحه سببا في إعادة النظر في فهم الفرنسيين لحرب الجزائر.

فبعد الاعتراف بممارسة التعذيب من قبل الجيش الفرنسي إضافة إلى مأساة الحركيين (الجزائريون الذين تعاونوا مع المستعمر) سقطت آخر المحرمات حول ما كانت فرنسا الرسمية تسميه "أحداث الجزائر" قبل أن يقر البرلمان بأن ما وقع كان "حربا".

أما إيغيل احريز فرأت أنه "حان الوقت لأن تعترف السلطات الفرنسية بمساوئ الاستعمار".