ارتبط ظهور الحضارة على ضفاف النيل بالزراعة، إذ كانت المُلهم الأول لكل أشكال التفاعل الإنسان قبل آلاف السنين، لعل أهمها التقويم الزراعي، وما ارتبط به من مناسبات مثل عيد رأس السنة المصرية المعروف بعيد "وبت رنبت".

ويوافق رأس السنة المصرية القديمة في أيامنا هذه يوم 11 سبتمبر في الأشهر الميلادية، وكما يعرف اليوم باسم "عيد النيروز" لدى أقباط مصر، حيث تُقام الصلوات بالكنائس الأرثوذكسية حول العالم عشية عيد النيروز.

كما تُقام قداسات صباح يوم 11 سبتمبر بالكنائس، للاحتفال بعيد النيروز، فما قصة هذا العيد الذي يعود لآلاف السنين، وما سر الخطأ الشائع في تاريخ الاحتفال بهذا العيد؟

خطأ شائع

الدكتور ميسرة عبد الله حسين، الأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، يشرح من جانبه قصة هذا العيد، إذ يستهل حديثه بتصحيح خطأ شائع، وهو أن عيد رأس السنة المصرية القديمة لم يحتفل به المصريون يوم 11 سبتمبر، وإنما كان موعد الاحتفال في زمن المصريين القدماء يوم 17 يوليو من كل عام.

ويقول حسين في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية، إن عيد "وبت رنبت" ومعناه "افتتاح السنة"، وهو عيد رسمي للدولة في مصر القديمة، وكان يأتي في بداية موسم الدورة الزراعية، التي تنقسم إلى ثلاثة فصول: الفيضان، والإنبات، والحصاد.

توأم تمثال أبو الهول مقابله تماما

ويوضح: "طبقا للوثائق المصرية، كان يأتي هذا العيد يوم 17 يوليو من كل عام، ويوافق الأول من شهر "تحوت" أو "توت" في التقويم المصري القديم، وهذا التاريخ ثابت لدينا في التقاويم المتبقية، والمسجلة على تقويم الكرنك في الأسرة الـ 18، وغيرها من الأماكن الكثيرة، وبعضها يعود لأكثر من 2000 عام قبل الميلاد".

أخبار ذات صلة

احتفال عالمي بطابع فرعوني في الأقصر.. "عيد الأوبت" يعود
بالصور.. دموع "الفراعنة" بعد الخروج القاسي من أولمبياد طوكيو

 ويقول عالم المصريات إن قدماء المصريين كانوا يترقبون قدوم هذا العيد بداية من يوم 11 يونيو، عن طريق ترصد "عكارة الطمي" التي تأتي من إثيوبيا وغالبًا ما تظهر في نهاية يونيو، وأُطلق على عملية رصد هذه "العكارة" عيد سقوط دمعة إيزيس، وتعني التسمية أن إيزيس بكت أوزيريس، فتعكرت المياه.

وعن سبب تغير تاريخ رأس السنة الزراعية المصرية من 17 يوليو إلى 11 سبتمبر، يقول الدكتور ميسرة حسين، إن بداية الفيضان الفعلية تتوافق مع ظهور مجموعة "سُبدت" بالمصرية القديمة، والمعروفة في الثقافة العربية بنجم الشعرى اليمانية.

ويقول إن المجموعة الشمسية تدور في المجرة، وتأخذ الدورة 10 آلاف سنة، ومع مرور الوقت أدت حركة المجموعة الشمسية إلى تحرك موضع نجم الشعرى اليمانية، وتغيرها موعد ظهورها إلى 11 سبتمبر، وبالتالي تغير موعد عيد "وبت رنبت".

عيد النيروز وأنشودة العام الجديد

مع قدوم الفرس إلى مصر كانوا يحتفلون بعيد النيروز، ويتشابه هذا العيد مع احتفالات المصريين ببداية الفيضان، ومن هنا تغيرت تسمية "وبت رنبت" إلى عيد "النيروز" ومعنى التسمية بالفارسية "اليوم الجديد".

ويقول الدكتور ميسرة حسين: "رغم تغير التسمية إلا أن مظاهرة الاحتفال كانت واحدة؛ حيث كانت الأيام الخمسة التي تسبق العيد تعتبر "إجازة"، يتوقف فيها الجميع عن العمل، ويقوم المصريون بتنظيف البيوت والمعابد التي يعاد طلاء ألوانها، استعدادا للعيد".

وفي بداية العيد كانت تقام طقوس نهاية العام، حيث يتم إحضار جميع تماثيل الموتى في اليوم الأخير، وترتل التراتيل في توقيت بداية من ظهر هذا اليوم حتى وقت العصر، وكانت تهدف هذه الترانيم إلى صعود أرواح الراحلين حتى تجدد نفسها، ليتم استقبالها مجددًا قبل وقت الفجر.

ومع اليوم الأول من العام الجديد تعود الأرواح إلى الأرض من جديد، لتسكن التماثيل، وتبدأ الطقوس الاحتفالية الضخمة بالرقصة والغناء، وتناول الأطعمة، مثل اللحوم والأسماك والفطائر المحلاة بالعسل والذبيب، وأيضًا تناول المشروبات الروحية، إلى جانب زيارة المقابر وتوزيع الصدقات والزهور. 

وفي ختام حديثه لموقع سكاي نيوز عربية يُرجع الدكتور ميسرة حسين تاريخ الاحتفال بهذا العيد إلى ما لا يقل عن 12 ألف عام، أي منذ عرف المصريون علم الفلك الذي من خلاله يتم تحديد بداية السنة والانقلابات الربيعية والخريفية.