دبت الحركة من جديد في قرية غرب سهيل النوبية بمحافظة أسوان جنوبي مصر، بعد أشهر من التوقف إثر جائحة كورونا التي حرمت عشاق البلدة الاستمتاع بجمالها الساحر.

وعاد النشاط بشكل ملحوظ إلى المراكب الصغيرة والفنادق الواقعة على ضفاف النيل، مع استقبال السياح وعشاق المكان من المشاهير، الذين هم أبرز زوار القرية سنويا.

واختار الفنان المصري أحمد أمين بطل مسلسل "ما وراء الطبيعة"، الذهاب إلى غرب سهيل بعد أيام من عرض عمله على منصة "نتفلكس"، في إجازة سريعة للحصول على راحة، إذ شارك جمهوره بصورة يرتدي فيها جلبابا أبيض بسيطا خلال وجوده في القرية الساحرة.

وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، فإن قرية غرب سهيل التي تقع إلى الغرب من نهر النيل في أسوان، شُيدت منذ 100 عام تزامنا مع بناء الخزان القديم بالمحافظة، وتمتاز بألوانها المبهجة التي تجذب السياح إليها.

وتعرف النوبة بـ"بلاد الذهب" منذ قديم الأزل، حيث حملت في باطن أراضيها مناجم تحوي كنوزا كثيرة، كما يشتق اسمها من "نوب" وهي كلمة فرعونية تعني الذهب، وفقا للدكتور محمد عمر المتخصص في اللغة النوبية.

ويقول عبد الحكيم عبده، مدير الفندق الذي أقام به أمين لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن غرب سهيل مقصد سياحي لعدد من المشاهير، مؤكدا استقباله بشكل دوري لنجوم مثل حسين فهمي ومحمد رمضان والمخرج شريف عرفة، ومؤخرا بطل "ما وراء الطبيعة".

وتتيح غرب سهيل للقادمين إليها فرضة قضاء تجربة كاملة وسط الحياة النوبية، حيث احتفظت القرية بطابعها الخاص منذ عقود، مثل الرسومات على جدران البيوت والملابس والأغاني المميزة في الأفراح، فضلا عن الطبيعة الخلابة.

المراكب النيلية وسيلة التنقل في غرب سهيل

عودة النجوم

ويضيف عبده لموقع "سكاي نيوز عربية" خلال اقترابه من مرسى المراكب: "تأثرنا مع ظهور وباء كورونا في مارس الماضي ثم فترة الإغلاق، لكن الأيام الماضية شهدت انتعاشا في المنطقة، وتوافدا للسياحة الداخلية والخارجية وعدد من نجوم الفن".

ويوضح الرجل أن بطل "ما وراء الطبيعة" قضى 4 أيام في القرية، لم يخرج خلالها سوى مرة واحدة في جولة نيلية بأحد المراكب، منوها إلى رغبته في الجلوس بالفندق للاسترخاء والاستمتاع بأجواء الطبيعة والهدوء من حوله.

ويتابع عبده: "حرص أمين على ارتداء الجلباب البسيط طوال الوقت، وتناول الأطعمة المشهورة بالمكان مثل الكشيد (طبق لحم مطهي على الطريقة النوبية)، وحضر إلى المكان عدد من معجبيه لالتقاط الصور التذكارية معه".

ويعتقد مدير الفندق ابن النوبة أن اختيار الأسماء اللامعة لغرب سهيل في تلك الفترة "مؤشر جيد لتعافي المنطقة من فترة الركود، نتيجة اتباع كافة الإجراءات الاحترازية للتصدي لـ(كوفيد 19)".

تمهيد حكومي

وكان ، محافظ أسوان اللواء أشرف عطية، أعلن في أواخر أغسطس الماضي عن موافقة الحكومة المصرية على إعادة فتح وتشغيل المناطق السياحية، لاستقبال الزائرين والأفواج على مرحلتين، الأولى في سبتمبر والثانية مع بداية الموسم السياحي في نوفمبر.

ووفقا لبيان رسمي عن المحافظة، تتطلب عودة السياحة التزام المناطق السياحية والفنادق بالإجراءات الوقائية الخاصة بـ"كوفيد 19"، بالتعقيم المستمر للغرف وصالات الاستقبال والمطاعم، والحفاظ على التباعد لحماية النزلاء، فضلا عن تخصيص أماكن مجهزة للحجر الصحي لاستخدامها في حالة الإصابات المؤكدة بكورونا.

وخلال الشهور الماضية خضعت فنادق غرب سهيل لزيارات تفقدية من وزارتي الصحة والسياحة والآثار، للتأكد من تنفيذ الإجراءات المعتمدة من الحكومة ومنظمة الصحة العالمية، قبل الحصول على شهادة الصحة والسلامة.

وتؤكد شيماء غالب، وهي مسؤولة بأحد فنادق غرب سهيل، لموقع "سكاي نيوز عربية"، على أهمية هذه الجولات التي ساهمت في استعداد المكان لاستقبال الزوار من مصر ودول العالم، مشددة على اهتمام الوزارات المعنية بتوفير كافة سبل الأمان للنزلاء.

وتستطرد: "وفرنا المطهرات وأقنعة الوجه، وأجهزة لتعقيم حقائب الوافدين، كما خصصنا مساحة لعزل أي حالة مصابة بكوفيد 19 بها مستلزمات تكفي لـ5 أيام".

وتضيف الفتاة النوبية التي تعمل بالمكان منذ سنوات: "تلك المرة الأولى التي نمر فيها بظروف مشابهة، لكن غرب سهيل تتخطى فترة الإغلاق، نسبة الإشغال تعود تدريجيا، وأتوقع الوصول إلى الأرقام المعتادة مع بداية ديسمبر".

وتذكر شيماء غالب: "يوجد حاليا أجانب من أميركا وفرنسا داخل القرية، ولدينا حجوزات من جنسيات أخرى. المنطقة هنا غنية بطبيعتها. يكفي أن تستيقظ لتجد النيل والمراكب أمامك، أو تستمتع بركوب الجمال أو رسم الحناء (الحنة) لتزيين الأيادي".

مهنة رسم الحناء

وتنتشر مهنة رسم الحناء للفتيات في بيوت عديدة في القرية من قِبل سيدات من أصحاب الخبرة، واعتادت أمنية ربيع (22 عاما)، مشاركة أمها في هذا المجال منذ طفولتها، لكن ذلك توقف تماما لنحو 6 شهور قبل أن تستعيد عملها مؤخرا.

أمنية تعمل في رسم الحناء منذ طفولتها

وتقول أمنية لموقع "سكاي نيوز عربية" بينما تمارس فنها على يد إحدى الزائرات: "الأوضاع مهيأة لاستقبال ضيوفنا بعد غياب. أشعر بسعادة بالغة للرجوع إلى عملي المحبب، ورؤيتي لفرحة الزبائن برسوماتي".

وتستقبل أسرة أمنية عشاق الحناء منذ الساعات الأولى من الصباح حتى غروب الشمس، وتقتصر الزيارات في الفترة الحالية على السياحة الداخلية حيث تصل إلى غرب سهيل أعداد كبيرة من مختلف محافظات مصر، طلاب أو عائلات أو محبو الطبيعة.

هناك سحر خاص يجذب الناس إلى غرب سهيل

وتتابع: "أضع بصمتي على أيادي الجميع من خلال الحناء الطبيعية. لديّ شغف بعمل رسومات وأشكال متعلقة بالثقافة النوبية أو التاريخ المصري القديم، يفضل الغالبية عين حورس ومفتاح الحياة، خاصة المتزوجين حديثا"، إذ تؤكد الفتاة العشرينية على ارتفاع نسب زيارات العرسان في الآونة الأخيرة.

غرب سهيل عوضا عن الزفاف

في مطلع نوفمبر اتفق كريم السيد ( 29 عاما) مع شريكة حياته على عدم إقامة حفل زفاف، واستغلال تكلفتها في السفر إلى أماكن سياحية بمصر من بينها غرب سهيل، وعند وصوله للقرية النوبية "مسه سحر المكان"، وفقا لوصفه لموقع "سكاي نيوز عربية".

كريم السيد يقضي شهر العسل في غرب سهيل مع زوجته

يتحدث الشاب القادم من الإسكندرية بحماس قائلا: "كانت لدينا رغبة في زيارة المحميات الطبيعية بالنوبة والتقاط صور تذكارية أمام البيوت ذات التصميمات الجذابة، لنكتشف أن غرب سهيل تمتلك المزيد من الأشياء المبهجة".

يوضح السيد بينما يتناول إفطاره على النيل مع زوجته: "شعرنا بالراحة منذ اللحظة الأولى. أهالي القرية ودودون للغاية. حكاياتهم الطريفة والجميلة لا تنضب، وهناك كرم واضح في طريقة الضيافة".

أخبار ذات صلة

في مصر.. صوت "ملائكي" يتشبث بالأمل في غرفة العمليات
مصر تفتتح 3 متاحف كبرى
"ليست للبيع".. سر تمور "لا تقدر بثمن" في واحة سيوة المصرية
توابيت فوق توابيت.. صور وتفاصيل كشف أثري "مذهل" في مصر

وتابع: "الأنشطة كثيرة في غرب سهيل. السباحة في النيل وركوب الجمال بجانب رسم الحناء أو الانتقال بمركب شراعي إلى الأماكن الأثرية مثل معبد فيلة وخزان أسوان، أو التجول في السوق. أعتقد أننا سنأتي مرارا إلى القرية في الفترة المقبلة".

وتعد منطقة السوق من أشهر الأماكن في غرب سهيل، يتوسطها مرسى على النيل طوله 60 مترا، وعلى جانبي الطريق عدد من المحال التي يبيع أصحابها التوابل النوبية وجميع أنواع العطارة، بجانب الملابس المحلية مثل "العراجي"، وهو جلباب نوبي، وغيره من الأزياء ذات الألوان الزاهية.

تشتهر غرب سهيل بفن الرسم باستخدام الرمال

حاجة للبنية التحتية

يرى الشاب العشريني أن المنطقة تحتاج فقط إلى تمهيد الطرق من أجل المجيء إليها بصورة أسرع، موضحا أن "تلك الملاحظة ليست عقبة لمن يرغب في القدوم إلى غرب سهيل"، وأن الأهالي أخبروه بتنفيذ حلول قريبا من قبل الحكومة.

وتسعى وزارة النقل المصرية إلى الانتهاء خلال عامين من إنشاء جسر بطول 671 متر فوق مجرى النيل، يربط شرق وغرب النيل، في إطار مساعي محافظة أسوان لتوفير الانتقال السريع والسهل للأفواج السياحية إلى مطار أسوان الدولي وقرية غرب سهيل.

خيري محمد رئيس غرفة شركات السياحة في أسوان، يؤكد تركيز الدولة على تنمية السياحة البيئية في غرب سهيل، وفقا لحديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، مدللا على ذلك بإنشاء الجسر الجديد، بجانب وضع القرية على الخريطة السياحية.

ويستطرد محمد: "دارت العجلة من جديد بعد شهور عجاف. تتوافد أعداد جيدة من مختلف الجنسيات إلى أسوان، ويعود ذلك لاستقرار الأوضاع الصحية في مصر".

ويتابع المسؤول السياحي: "قدمنا محاضرات مكثفة خلال فترة الإغلاق للعاملين في مجال السياحة بمحافظة أسوان للتعامل الأمثل مع الأوضاع، وسعيد بردود فعل الأجانب الذين جاؤوا إلى النوبة وتعليقاتهم الإيجابية عن الزيارة".

يشق عبد الحكيم عبده مياه النيل بمركب صغير عند غروب الشمس، يهدأ قلب الرجل بينما يتأمل النهر، حينها تتلاشى المخاوف من كورونا وتوقف السياحة، يتمنى فقط أن يتمكن الجميع من الاستمتاع بغرب سهيل كما يشعر في تلك اللحظة.