امتنعت مدينة فاس المغربية العريقة، وأبت إلا أن تحافظ على هويتها، وخصوصيتها التي اكتسبتها على مدار 12 قرنا، هي عمر المدينة العصية على التمدن، لتعيش وحيدة في قلب تاريخها رافضة أن تكون جزءا من عالم اليوم.

فاس، التي تضم أول جامعة في العالم، هي جامعة القرويين، أحاطت نفسها بسور تاريخي منيع، محروسة بـ12 بابا، لكل واحد منها اسم وقصة تروى، فيما تعيش المدينة يومياتها على وقع تاريخها العلمي، وتنوع روافدها، التي شكلتها الأمازيغية والعربية، وتلاقح ثقافات وشعوب المغرب، ابتداءا من البربر والأدراسة، وانتهاء باليهود والأندلسيين.

وأكثر ما يلفت الانتباه في المدينة القديمة، هو عزلتها، وحفاظها على كل ما ورثته، فيلاحظ زائر المدينة، أن فاس القديمة، لا تشبه أية مدينة اليوم، فهي ممتنعة عن دخول السيارات لضيق شوارعها وأزقتها الملتوية، التي تصعد بك تارة، وتهبط بك تارة أخرى في منعرجات يستعصي على غير أبناء المدينة الاهتداء فيها.

وفي الوقت الذي تحرص فيه المملكة المغربية، في الحفاظ على روح المدينة، التي يؤمها آلاف السياح من شتى أنحاء العالم، فإن سكان المدينة، أيضا نذروا أنفسهم، وكرسوا أرواحهم للحفاظ على مدينتهم، عبر التمسك بكل ما ورثوه من صناعات في النسيج، والجلود، والبناء والزخرفة، وصناعة شتى الأدوات التي توارثوا صناعتها من أسلافهم.

وعبر الأزقة الضيقة، التي لا يمكن تصور ما وراءها، ولا ما يحيط بها، تخفي المدينة فنونها المعمارية الأخاذة، ذلك، حين تفاجؤك فاس، بقصور ورياض متوارية عن الأنظار، خلف أبواب لا توحي بما وراءها، وهي إرث تاريخي، تمكن المغاربة من الحفاظ عليه، عبر عمليات ترميم وصيانة لا تتوقف.

الجولة في المدينة، لا تشبه أي جولة أخرى، إذ لا يمكن استخدام أية وسيلة مواصلات تقريبا، في جولة تحتاج إلى نهار كامل، تلزمك بالتوقف في كل ركن وزاوية في المدينة التاريخية، التي تحمل قصورها وأضرحتها ورياضها ودكاكينها قصصا تستحق كل واحدة منها أن تروى.

ويعتبر "جامع القرويين" الشهير، هو قلب المدينة الذي يتوقف عنده الزوار كثيرا، لاستجلاء تاريخه العريق، بعد أن كان في عصوره الذهبية، بمثابة جامعات هارفارد، وييل اليوم، بعد أن تخرج فيه علماء في شتى الفنون الأدبية والعلمية، ووفد الطلبة إليه من الشرق الأوسط، وأفريقيا وأوروبا حينها.

وتعد هذه المدرسة التي أسسها السلطان أبو عنان المريني ما بين 1350-1355، من أشهر مدارس فاس والمغرب، وتتميز بصومعة جميلة البناء والزخرفة إضافة إلى ساعة مائية (مكانة) تقنية تشغيلها مجهولة.

كما تعتبر مدرسة العطارين، الواقعة شمال جامع القرويين في فاس، من أجمل المدارس المغربية على رغم صغر مساحتها،بسبب زخارفها البديعة التي تجعل منها تحفة عمرانية نادرة.