اعتبر علماء بالأزهر الشريف أن مؤسستهم "أكبر وأهم وأعمق" من أن تتأثر بأي محاولات لتدخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر في شؤونها، أو ما يطلق عليه إعلاميا "أخونة" الأزهر، مؤكدين أن اختيار المفتي الجديد للبلاد "جاء بناء على معايير دينية وعلمية لا دخل للجدل السياسي فيها".

وتم اختيار الشيخ شوقي إبراهيم عبدالكريم، 55 عاما، رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة جامعة الأزهر فرع طنطا، يوم الاثنين 11 فبراير كأول مفتٍ منتخب في مصر، خلفا للشيخ علي جمعة الذي يبلغ السن القانونية للتقاعد في مارس المقبل.

وتم الانتخاب خلال اجتماع طارئ لهيئة كبار العلماء في الأزهر برئاسة شيخ الأزهر أحمد الطيب، وبحضور جميع أعضائها ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين.

واعتبرت عدة أوساط هذا الاختيار "هزيمة" لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المصري محمد مرسي، لقيام الهيئة باختيار الشيخ عبدالكريم "المعروف بوسطيته" واستبعاد الشيخ عبد الرحمن البر عضو مكتب الإرشاد بالجماعة والمعروف إعلاميا باسم مفتي "جماعة الإخوان المسلمين".

وقال مستشار شيخ الأزهر دكتور محمود عزب لـ"سكاي نيوز عربية" إنه "لم يكن للسياسة أي دخل في انتخاب المفتي الجديد".

وأشار إلى أنه "تقدم 56 مرشحا من بين أفضل العلماء بملفاتهم للمنصب وتمت التصفيات بينهم حتى تبقى 3 أسماء لم يكن البر بينهم، وتم الاختيار بالاقتراع الحر المباشر، وقام كل أعضاء هيئة العلماء الـ26 بالاختيار دون أن يعلم أي منهم من انتخب الآخر".

وأضاف المستشار: "شيخ الأزهر لم يوكل أحدا عنه وكان يقود الجلسة، كما لم يوجه اختيار أحد نحو مرشح دون الآخر فهذا ليس اختيار شيخ الأزهر وحده، فلكل عضو حرية اختيار المرشح، وجاءت الأغلبية لصالح الشيخ عبدالكريم".

وأكد أن "الأزهر لا يحابي أحدا ولا يتدخل في جدالات سياسية".

وقال الشيخ عزب إن "الأزهر له خط واضح جدا وهو الحفاظ على الشريعة الإسلامية باتباع المنهج المعتدل الوسطي ودون التدخل في التناحر السياسي. الحمد لله أنه تم اختيار شخص معروف باعتداله وعلمه ومعروف عنه الوقوف على العلم بالأشياء ربنا شاء أن يكون هذا الاختيار في هذا الوقت التي تمر به مصر".

وتابع: "في اللحظات الفارقة من التاريخ ينحاز الأزهر دائما إلى الأمة إلى أن تعبر السفينة بسلام وتصل إلى بر الأمان".

وقال رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشيخ جمال قطب لـ"سكاي نيوز عربية": "موضوع أخونة الأزهر لا يمكن أن يتم بتعيين شخص أو باستبعاد آخر، فالأزهر ليس مؤسسة صغيرة وإنما مؤسسة بها مليوني طالب ومليون مدرس وآلاف العلماء وتغييره ليس بهذه السهولة".

"حتى إن حاول الإخوان أو السلفيون اختراق هذه المؤسسة والسيطرة عليها فإنهم سيتوهون في وسط هذه الأعداد الهائلة، فالأزهر ليس مجرد مبنى بل هو كيان ضخم له قراره المستقل"، حسب الشيخ قطب.

وكانت تصريحات للداعية السلفي ياسر برهامي حول التخطيط لـ"عزل" شيخ الأزهر قد أثارت جدلا واسعا واتهامات بمحاولة اختراق المؤسسة واستبدال المنهج الوسطي الذي تتبعه بفكر متشدد.

وكان برهامي قد صرح في شريط فيديو تم تسريبه أنه طرح على أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور المصري "عزل شيخ الأزهر في الجلسة المغلقة فهاج ممثلو الأزهر في الجلسة، لذلك تغاضينا عن المطالبة بعزل شيخ الأزهر حتى لا يهيج علينا الشارع، لكن بعد تشكيل هيئة كبار العلماء، ووضع القانون يمكن أن نعزل شيخ الأزهر بالقانون".

كذلك كانت هناك اعتراضات في الصيف الماضي داخل نقابة الدعاة ذات المرجعية الأزهرية، وقبل قرار القضاء بحل مجلس الشعب الذي تسيطر عليه أغلبية من الإخوان والسلفيين، عندما تسربت أنباء عن موافقة المجلس مبدئيا على تأسيس "نقابة الدعاة المهنية"، التي اعتبرت "مدخلا لأخونة الأزهر".

لكن الشيخ قطب اعتبر أن "تطوير وتعديل قانون الأزهر الذي سمح بانتخاب المفتي بعد أن كان يعين من قبل رئيس الجمهورية مكسبا وبرهانا على استقلالية المؤسسة الأزهرية".

ويرى أن اختيار الشيخ عبدالكريم دليل على "عدم تأثر الأزهر بأي محاولات لخلط الدين بالسياسة، لأن المفتي الجديد ليس له ممارسة سابقة في وظيفة عليا، كما لم يثبت عليه أي صبغة سياسية وغير معروف إعلاميا وظهر اسمه في الإعلام لأول مرة عند إعلان انتخابه".

وثار الجدل في الفترة الأخيرة في مصر حول من يطلق عليهم لقب "شيوخ الفضائيات" وقيامهم بإطلاق فتاوى توصف بالمتطرفة، كانت آخرها للشيخ السلفي محمود شعبان بإهدار دم قادة جبهة الإنقاذ المعارضة في مصر، ما دعا النائب العام إلى التحقيق معه إثر اللغط الإعلامي الذي أحدثته خاصة في ظل جو الانقسام والتخوين والتكفير في مصر بين أنصار كل من الحكومة والمعارضة.

ويعتبر الشيخ قطب أن "ثورة 25 يناير كشفت كل المناصب، فلم يعد أحد فوق الحساب والمساءلة، فإذا جاء مفت أو شيخ للأزهر ولم يرض عنه أعضاء المؤسسة أو الشعب أو شعروا أنه يطوع الدين لخدمة جهة بعينها فإنهم سيخرجون ضده ويطالبون بإقالته".

ووجهت انتقادات كثيرة إلى عدد من أئمة الأزهر ودار الإفتاء، واتهامات بالتقرب من الحكومات السابقة والامتثال لأوامرهم إلى حد إصدار الفتاوى التي تخدم السلطة، ما أضعف مكانة ومصداقية هاتين المؤسستين وسمح لأنصار المذاهب المتطرفة بالمزايدة عليهم واكتساب أرضية خاصة بين الشباب.

كما نفى الشيخ قطب تماما ما نشر على مواقع صحف إلكترونية عن محاولة الإخوان المسلمين "الهيمنة على الأزهر انتقاما من موقف الشيخ الطيب مما عرف إعلاميا بقضية ميليشيات طلاب الأزهر" التي تعود إلى عام 2006.

وكان نحو 3 آلاف طالب، اعتصموا في المدينة الجامعية لجامعة الأزهر وأمام مكتب رئيسها الدكتور أحمد الطيب في ذلك الوقت، احتجاجا على فصل 5 طلاب من "الاتحاد الحر" لمدة شهر، وارتدوا ملابس وأقنعة سوداء وقاموا بأداء تدريبات على الفنون القتالية.

حينها أعلن الطيب أنه "لا يمكن أن تتحول جامعة الأزهر إلي ساحة للإخوان، أو جامعة لحسن البنا" مؤسس الجماعة.

وفيما عرف بقضية "ميليشيات الأزهر" تمت محاكمة 40 من قيادات الجماعة أمام محاكمة عسكرية، وإدانة 25 منهم بالحبس ما بين 3 و10 سنوات علي رأسهم خيرت الشاطر نائب المرشد.

وأكد الشيخ قطب أن "تلك الادعاءات لا تستحق التعليق من الأساس".