استبقت قوى دولية وإقليمية عملية "تقاسم النفوذ" في سوريا، التي ستعقب حتما التوصل لحل للنزاع الدامي، برسم خطوط حمراء لمناطق سيطرتها إن عبر الوجود العسكري المباشر أو من خلال قوات محلية وأجنبية مرتبطة بها.

وعلى وقع الأنباء المتتالية عن قرب التوصل لاتفاق أميركي-روسي بشأن وقف الأعمال القتالية، كثفت القوات الحكومية السورية، بدعم من قوات إيرانية وميليشيات مرتبطة بطهران، عملياتها العسكرية في مدينة حلب وريفها.

ونجحت في إعادة فرض الحصار على الأحياء الشرقية من المدينة الخاضعة لسيطرة المعارضة، ما يؤكد أن طهران، ومن ورائها دمشق، لن توافق على أي هدنة تمهد للعودة إلى طاولة المفاوضات قبل حسم معركة حلب.

وإيران وميليشياتها اللبنانية والأفغانية والعراقية تسعى إلى تثبيت وجودها في حلب، في محاولة لتحويل المدينة إلى منطقة حدودية مع مناطق أقصى الشمال السوري الواقعة بين المدينة والحدود التركية.

وسقوط حلب يساهم أيضا في تثبيت الوجود الإيراني في محافظات حمص وريف دمشق على الحدود اللبنانية السورية، وهو ما يبرر استماتة طهران في حسم المعركة في أوج المباحثات الروسية الأميركية الأخيرة.

وروسيا، التي تدعم أيضا الرئيس السوري بشار الأسد، لا تعارض حسم معركة حلب لصالح طهران ودمشق، مقابل الاعتراف بحق موسكو في الوجود عسكريا في شمال غربي البلاد، محافظتا طرطوس واللاذقية.

وتصر موسكو على الحفاظ على وجودها العسكري في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية، حيث تقع بلدة القرداحة مسقط رأس الأسد، بالإضافة إلى مرفأ طرطوس، التي تعتبره بوابتها البحرية إلى المنطقة.

أما الدول التي تقول إنها تدعم المعارضة، فتعمل، بدورها، على رسم مناطق نفوذها على الأرض السورية التي باتت أبوابها، بعد نحو 5 سنوات من الحرب، "مشرعة للغريب" وسط غياب كامل لمفهوم السيادة الوطنية.

وعلى غرار معركة حلب، برزت أخيرا معارك المناطق الواقعة أقصى الشمال السوري، على طول الحدود التركية السورية، والممتدة من الضفة الشرقية لنهر دجلة بين سوريا والعراق إلى ريف حلب الشمالي الغربي.

فتركيا عمدت بعد انفتاحها على روسيا والتقارب مع إيران، إلى التوغل عسكريا في شمال سوريا تحت شعار حماية حدودها الجنوبية من تنظيم داعش المتشدد ووحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة إرهابية.

وسمحت العملية، التي أطلقتها تركيا أواخر الشهر الماضي تحت عنوان "درع الفرات" بمشاركة فصائل من المعارضة السورية، للجيش التركي بالانتشار في الشمال السوري، لاسيما في المناطق الواقعة غربي الفرات.

وعلى الضفة الشرقية من نهر الفرات ولاسيما في محافظة الحسكة المحاذية شمالا للحدود التركية وشرقا للحدود العراقية، كانت واشنطن قد نشرت، منذ أشهر، قوات أميركية خاصة، تحت عنوان دعم المعارك ضد داعش.

ودعمت الولايات المتحدة في معركة طرد تنظيم داعش من أرياف محافظات الحسكة والرقة وحلب المتجاورة، "قوات سوريا الديمقراطية" التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عصبها، وهو ما أثار مخاوف أنقرة.

وتسعى أنقرة حاليا إلى إجبار القوات الكردية على الانسحاب من منبج وريفها والتراجع إلى الضفة الشرقية من الفرات، لمنع الأكراد من تحقيق مشروعهم الانفصالي الذي سيشجع حكما نزعة أكراد تركيا الانفصالية.

أما في الجنوب السوري وتحديدا على الحدود العراقية والأردنية، فقد أشارت وسائل إعلام غربية مرارا إلى انتشار قوات أميركية وبريطانية لدعم "جيش سوريا الجديد" المعارض في التصدي أيضا لتنظيم داعش المتشدد.

وكانت صحيفة "تيلغراف" قالت، في يونيو الماضي، إن قوة بريطانية خاصة ساهمت في طرد داعش من منفذ التنف بريف حمص الجنوبي الشرقي، عند الحدود السورية العراقية، وذلك عبر دعم "جيش سوريا الجديد".