نشرت صحيفة الفايننشال تايمز مقابلات سرية مع مدنيين من مدينة الرقة والمحاصرين بين وحشية تنظيم داعش الذي يسيطر على المدينة والضربات الجوية التي تستهدف عناصر التنظيم في المدينة.

ويصف أبو هادي  وهو أحد الذين قابلتهم الصحيفة الحياة في الرقة بالجحيم قائلا "هذه هي عيشتنا اليومية، تستيقظ باكرا في الصباح على وقع أصوات القصف، أو هدير الطائرات الحربية التي تخترق جدار سرعة الصوت."

ويستطرد أبو هادي الذي يسكن على بعد كيلومترين من وسط المدينة "أنظر إلى السماء وأولي وجهي قبل وجهة الطائرات التي تقتحم الغيوم، وأدعو أن تعود أو أن تأتي عاصفة هوجاء."

إلا أن اضطراب الأحوال الجوية يحول دون قيام التحالف الدولي بطلعات جوية ضد المدينة التي أصبحت معقلا للتنظيم في سوريا، الذي أجبر مئات الآلاف من المدنيين من سكان المدينة من المغادرة.

لكن إحدى الطرق التي يتمكن أولئك من الفرار هو بإثبات حالة مرضية تتطلب علاجا لا تتمكن مستشفيات المدينة وعياداتها من معالجتها.

وتحدث أبو هادي للصحيفة عن طريق وسيلة اتصال عبر الإنترنت، لا تستخدم إلا سرا في جوف الليل كبقية الذين تمت مقابلتهم من الرقة.

عمليات روسيا بسويا.. برا وبحرا

وحشية داعش

وأشار أبو هادي إلى مدى الوحشية التي يتعامل بها التنظيم ضد خصومهم دون رأفة أو شفقة، متحدثا عن مشهد للدراجات النارية تقوم بسحب الجثث المشوهة خلفها بينما هو وابنه في طريقهم صباحا إلى المدرسة.

ويشدد تنظيم داعش الخناق على استخدام الإنترنت، فلا سبيل لأقارب أهالي الرقة الذين يقطنون خارجها لملمة أخبارهم من الرسائل التي يتم إرسالها عبر الإنترنت.

ويقول سليم الذي فر مؤخرا إلى تركيا إنه لا يعرف كيف يتواصل مع والديه الذين تخلفوا عنه في الرقة، وإن تم التواصل عبر الإنترنت فإن تفاصيل الحصول على تلك الوسيلة تحاط بسرية تامة.

ويقول سليم" إنها مسألة حياة أو موت؛ القلق يساور الجميع بشأن تلك العملية ومن يقوم بها" فوالدته تترك له رسالة على تطبيق واتساب يوما إلا أنها تمكث أياما دون أن ترسل أي شيء.

وتتحدث أم سليم عن الأوضاع في الرقة وكيف أن المدنيين يستخدمون كدروع بشرية أو في حملات دعائية للتنظيم. وآخر رسالة بعثت بها كانت قبل أسبوع تقول فيها: "لقد منعنا من مغادرة المدينة- حتى للأسباب الطارئة! فداعش يريد أن نموت حتى نستخدم في حملتهم الدعائية في أشرطة الفيديو التي ينشرونها."

ويتحدث سكان الرقة عن الرعب الذي يسببه هدير الطائرات الحربية لحظة اختراقها أفق السماء، وصوت انطلاق الصواريخ من على المقاتلات ووقع انفجارها، ويخمنون ضربا بالكهانة لمن تعود تلك الطائرات.

ويقول أبو هادي "لا ينبغي للتحالف أن يقصف الرقة بتلك الكثافة فكل ما يجري تدميره هو البنية التحتية ليس إلا!"

ويستطرد "ليس لنا أي يد في الحوادت الإرهابية في فرنسا، فمن غير المعقول أن نصبح هدفا لغارات مكثفة للتحالف الدولي منذ هجمات باريس ومنفذوها جاءوا من بلجيكا."

في غضون ذلك، تتزايد حالة الإحباط من سقوط المدنيين ضحية الإرهاب. فالجمعة الماضية نشر التنظيم شريط فيديو يظهر قطع يد سارق دراجة نارية في ميدان عام في مدرسة حطين في المدينة.

وبعد ساعات، استهدف طيران التحالف المنطقة 11 مرة على الأقل، مما أسفر عن مقتل نحو 12 شخصا من بينهم 5 أطفال.

المواقع التي ضربتها فرنسا في سوريا

المدنيون وشح الغذاء

ورغم تقاطر المواد الغذائية للرقة بشكل متواصل سابقا، إلا أنها قلت بشكل كبير مع تكثيف الضربات الجوية، حيث يتردد التجار السوريون من تركيا أو المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من الاستمرار بشحن المواد الغذائية إلى المدينة.

كما يشتكي سكان الرقة، بحسب أبو هادي، من معاناة ارتفاع أسعار الوقود الذي ينتجه داعش، خاصة بعد استهداف مقاتلات التحالف في غاراتها الجوية للصهاريج في المدنية. فقد تضاعف سعر برميل وقود الديزل إلى نحو 40 ألف ليرة سورية أي نحو 390 دولارا أميركيا خلال الأسبوع الماضي.

ورغم انقطاع سبل الاتصال بأهليهم من العالم الخارجي في الرقة، ينتظر أبو هادي اللحظات القليلة للتواصل من ابنته في تركيا ويساوره القلق بشأن مستقبلهم. "أحيانا أرى الخوف في عيون أطفالي،" كما يقول أبو هادي "أرى اللوم أيضا. لماذا لا تلحق بنا إلى تركيا؟"

حياة مستمرة

رغم هذا وذاك، الحياة مستمرة في الرقة... فخلف إحدى الأبواب المغلقة التي يطرقها هدير الطائرات المقاتلة، تجمعت ثلة من النسوة للغناء والرقص على وقع ألحان موسيقية خافتة حتى لا تسمع، يمازجها زمجرات للمقاتلات الحربية في سماوات الرقة.

قد يعيش أهل الرقة لحظات عصيبة، لكن العوائل ترغب في الاحتفال في خطبة فتاة لأحد أقاربها، حسبما تقول أم أحمد في رسائلها لأقاربها وكما تورد الصحيفة على لسانها.

فدبيب الحياة مستمر رغم داعش ورغم أزيز المقاتلات الحربية، في تحد أمام الحياة، فأهل الرقة يتحدون الموت ومصممون على الحياة.