دخلت تونس، البلد الفاتح للربيع العربي، في أزمة بين مكونات السلطة الحاكمة بسبب جدل على تغيير وزاري متفق عليه بين جميع الأطراف التي تختلف على تفاصيله، ما أدى إلى تهديد الشريكين العلمانيين في الائتلاف الثلاثي الحاكم "الترويكا" بالانسحاب من الحكومة التي يترأسها الإسلاميون إذا لم تلب مطالبهما.

وتنخرط الأطراف كافة في مشاورات سياسية من أجل الوصول إلى اتفاق على التعديل الوزاري الجديد الذي يشمل توسيع الحكومة لاستقبال أحزاب جديدة، وإجراء تغيير مقترح في حقيبتي العدل والخارجية.

لكن حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة الرئيس منصف المرزوقي، والتكتل من أجل العمل والحريات بزعامة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي، وضعا قنبلة سياسية موقوتة، ضبطت على موعد الأسبوع المقبل الذي سيعلن فيه التوصل إلى نتيجة المشاورات، إما بالاتفاق ونزع فتيل الأزمة، أو انسحاب الحزبين العلمانيين والدخول في مرحلة جديدة من الأزمة السياسية.

ورأى المحلل السياسي كمال بن يونس رئيس مركز بن رشد للدراسات السياسية أن هذه الأزمة "هي الأخطر من نوعها في علاقة الأطراف المكونة للتحالف بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس"، مشيرا إلى إمكانية تفككها.

 وقال في مقابلة مع سكاي نيوز عربية إن الهدف من التفكير في التعديل الوزاري هو تحسين الوضع في البلاد "لكن الخلافات التي برزت على السطح أجل الأحزاب كل على حدة، وفيما بينها كان لها تأثير سلبي سياسيا، والأهم كلفتها الاقتصادية".

وأوضح بن يونس أن ثقة المستثمرين في الاقتصاد التونسي في ظل حكومة مترددة وضعيفة اهتزت بشكل كبير في وقت تحاول البلاد إنعاش بنيتها الاقتصادية، خاصة أن هذا الملف هو الأكثر تأثيرا على الشارع التونسي وتحريكا له.

لكنه أضاف أن "الأوضاع لن تذهب للانفلات مثلما يحدث في مصر"، الدولة التي تعاني اضطرابات سياسية خطيرة امتدت بشكل أعمال عنف في الشارع، بحسب بن يونس الذي أوضح أن ما يحدث في تونس هو نوع من الممارسات السياسية التي تلتزم بالإطار الديمقراطي الانتقالي للبلاد.

توسيع وتوزيع

تتفق أحزاب "النهضة" الإسلامي و"التكتل" و"المؤتمر" على توسيع الحكومة بإشراك أحزاب أخرى، لكن حزب المؤتمر يطالب بتغيير وزير الخارجية رفيق عبد السلام، صهر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي المتهم بالفساد، ووزير العدل نور الدين البحيري القيادي أيضا في الحركة، واستبدالهما بآخرين دون الاشتراط أن يكونا من خارج النهضة.

ويطالب حزب التكتل باستبدال أحد الوزيرين بشخصية محايدة.

وقال عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر طارق الكحلاوي إن "المشاورات قائمة من أجل الوصول لاتفاق في خلال أسبوع، والمسألة الأساسية بالنسبة لنا هي التغيير الوزاري وليس تحييد بعض الوزارات".

ويرى حزب النهضة أن على شريكي الحكم أن يراعيا حصتهما ووزنهما النسبي في المجلس التأسيسي بحيث يتنازل كل طرف في الترويكا عن مجموعة من الحقائب لصالح الأحزاب الأخرى.

وقال زبير الشهودي عضو المكتب السياسي للحزب الإسلامي في مقابلة مع سكاي نيوز عربية: "إننا منفتحون على توسيع الحكومة وهذا يتطلب تنازلات من الجميع بما يلائم الأوزان النسبية في المجلس التأسيسي".

وأضاف أن النهضة لا يعامل حزبي التكتل والمؤتمر وفق وزنهما الجديد بعدما فقدا تقريبا نصف المقاعد التي حصلا عليها في الانتخابات الماضية. ويستحوذ الشريكان العلمانيان على 11 مقعدا لكل منهما في المجلس، بينما يسيطر النهضة على 89 مقعدا من أصل 217 مقعدا يتألف منها البرلمان.

وأوضح الكحلاوي أن "توسيع التحالف هو في مصلحة المسار الانتقالي.. وهو مفيد لتجميع الناس وتهدئة التوترات السياسية"، وعبّر عن استعداد المؤتمر" للتخلي عن مجموعة من الحقائب لصالح أحزاب جديدة في التحالف".

أزمة من نوع جديد

وأقر الرئيس التونسي المؤقت في كلمة له الاثنين بمرور بلاده بأزمة سياسية موضحا: "أعيش الأزمة كما تعيشونها، وهي أزمة خلاقة ليست كالأزمة التي عشناها زمن الديكتاتورية".

وأضاف المرزوقي: "نحن بصدد بناء دولة ونحن في الطريق الصحيح لأنها أزمة طبيعية وشيء يحصل في كل الديمقراطيات في العالم وتونس يلزمها 5 سنوات لكي تعرف الازدهار". ونفى المرزوقي عزمه الاستقالة من منصبه، مؤكدا بقاءه حتى إجراء الانتخابات التشريعية، وذلك بعدما نقلت وسائل إعلام كلمة له أمام الحزب هدد فيها بالاستقالة إذا لم تحل أزمة التعديل الوزاري.

وقال الكحلاوي إن بقاء الرئيس في السلطة أمر يخصه هو لأنه "رئيس لكل التونسيين" وليس لحزب المؤتمر فقط. لكنه استدرك بأن المرزوقي "لن يرضى أن يكون رئيسا في بلد يحكمه حزب واحد"، في إشارة إلى النهضة.

ورغم رغبة حزب النهضة في الحفاظ على الائتلاف، فإنه يرى أن من يريد الانسحاب من الائتلاف الحاكم عليه أن يدرك تبعات هذا الانسحاب ويتخذ جميع خطواته بما في ذلك التخلي عن منصب الرئاسة" بحسب  الشهودي.

ورأى المحلل السياسي بن يونس أنه يمكن لحزب لنهضة أن يجمع 117 عضوا بالتأسيسي عبر تحالفات أخرى من أجل تشكيل حكومة جديدة، مشيرا إلى أنها لن تتضرر مثل المنسحبين من الائتلاف، ومشيرا إلى أن التهديد بالانسحاب "يهدف فقط إلى الحصول على حقائب أكثر في الحكومة الموسعة".

تمرير الدستور

يعد توسيع الحكومة بشكل يعكس كل المكونات السياسية مهما لعملية التصديق على الدستور، إذ تلزم الموافقة على مشروع الدستور في قراءة أولى نسبة النصف زائد واحد في مجلس الوزراء، وفي قراءة ثانية يحتاج موافقة الثلثين في المجلس التأسيسي. وإذا لم يمرر فسيعرض على استفتاء شعبي.

وبحسب الشهودي، فإن الحكومة الموسعة "ستساعد في سرعة تمرير الدستور".

وتعترض كتابة دستور تونس خلافات بين القوى السياسية على طبيعة نظام الحكم المقبل، ولم يتوصل نواب المجلس التأسيسي إلى توافق حول شكل هذا النظام حتى الآن.

وقلل الكحلاوي من هذه الخلافات، مشيرا إلى أن الاعتماد على الحوار كفيل بالوصول إلى اتفاق بشأنها، وهو ما أكد عليه أيضا الشهودي.

ويتوقع بن يونس أن تطول الفترة الانتقالية في البلاد بسبب الخلافات السياسية لكن "فرص عبورها بنجاح مازالت موجودة".