انعكست الأزمات التي تعصف بعدة دول في المنطقة على العلاقات الروسية السعودية، التي شهدت مدا وجزرا خلال السنوات الماضية رغم حرص دبلوماسية البلدين على انتهاج سياسة براغماتية.

وتؤكد الزيارة الأخيرة لولي ولي العهد السعودي إلى مدينة سانت بطرسبرغ الروسية على أن الخلافات بين الرياض وموسكو بشأن التعامل مع ملفات المنطقة الساخنة لم ولن تصل إلى حد القطيعة.

فالزيارة التي شهدت مباحثات بين ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، أفضت إلى توقيع اتفاقات تعاون وصفقات اقتصادية وعسكرية بمليارات الدولارات.

ويرى مراقبون أن النتائج الإيجابية للزيارة لن تقتصر على الملفين الاقتصادي والعسكري، بل ستطال حتما ملفات المنطقة، ولاسيما الأزمة السورية وملف إيران النووي والقتال في اليمن والعنف في العراق.

وفي هذا السياق، أكد عضو مجلس الشورى السعودي السابق، محمد آل زلفة، أن أبعاد الزيارة تخطت توقيع الاتفاقيات إلى نقاش معمق يهدف إلى التوصل إلى أرضية مشتركة لاحتواء أزمات المنطقة.

المحور الروسي السعودي المصري

فـ"المحور الروسي السعودي المصري"، وفقا لآل زلفة، بات "الأكثر تحركا في المنطقة" وسط استمرار السياسة الضبابية والمترددة للإدارة الأميركية التي ساهمت في تعقيد المشهد في "الدول الساخنة".

وأضاف آل زلفة، في اتصال مع "سكاي نيوز عربية" أن السعودية ومصر والدول الخليجية، وبعد أن أدركت ضعف الموقف الأميركي وخطر تنامي الجماعات المتشددة، عمدت إلى التوجه إلى أوروبا وروسيا.

وعلى صعيد التقارب الروسي السعودي بشأن الملف السوري، اعتبر آل زلفة أن للبلدين وجهات نظر مشتركة، فهما يتشاركان المخاوف من تنامي الجماعات المتشددة واستمرار الرئيس، بشار الأسد.

فالرياض تسعى إلى وضع حد في القريب العاجل للحرب في سوريا التي باتت "حاضنة للإرهابيين والتشدد"، إلا أنها تصر في الوقت نفسه على ضرورة رحيل الأسد في موقف ربما قد وجد صدى لدى موسكو، وفق آل زلفة.

مصير الأسد

ويشرح المحلل السعودي أن روسيا باتت على يقين أن استمرار وقوفها إلى جانب الأسد سيحملها أعباء سياسية من شأنها أن تزيد الضغط على اقتصادها المتردي من جراء العقوبات الأوروبية والأميركية.

وبما أن التقارب مع الرياض قد يساهم في احتواء أزمتها الاقتصادية من خلال الاستثمارات السعودية والمشاريع المشتركة، فإن موسكو مستعدة، طبقا لآل زلفة، للتخلي عن الرئيس السوري ولكن ضمن عدة شروط.

كما أن موسكو لا تنظر إلى التقارب مع السعودية ومصر من "بوابة الاقتصاد" فقط، فإدارة الرئيس بوتن لا تريد أن يقتصر وجودها السياسي في المنطقة على سوريا، لذا تعمد إلى الانفتاح على باقي الدول العربية.

أما في الملف اليمني، فقد رأى آل زلفة أن موسكو مقتنعة أن الأزمة اليمنية يجب أن تبقى في "البيت الخليجي"، ولذلك لم تلجأ إلى الفيتو لمنع مجلس الأمن من اصدار قرار يدين المتمردين باليمن، والذي حمل رقم "2216".

وأشار إلى أن موسكو لم تساند حليفتها إيران، التي تدعم الحوثيين، لأن الملف اليمني لا يدخل في أولويات الإدارة الروسية على غرار الملف السوري، وبالتالي كانت هذه المبادرة إشارة حسن نية للدول الخليجية.

كما اعتبر آل زلفة أن موسكو وعلى غرار السعودية تنظر بعين الشك إلى الملف النووي الإيراني، الأمر الذي ساهم بدوره في التقريب بين البلدين الذين وقعا أخيرا اتفاقات لبناء مفاعل نووية سلمية في السعودية.

وتوقع عضو مجلس الشورى السعودي السابق أن ينعكس تقارب السعودية ومصر مع روسيا انفراجة وشيكة للأزمات في المنطقة، لاسيما في سوريا حيث تجمع كافة الأطراف أن استمرار الحرب السورية يهدد أمن المنطقة.