وضع ضعف القوات العراقية المدنيين في معظم المحافظات الواقعة في شمال العراق وغربه بين خياري عنف تنظيم الدولة المتشدد وانتهاكات ميليشيات ما يعرف بـ"الحشد الشعبي"، الأمر الذي يثير تساؤلات عن هيبة الدولة ودور الجيش.

فمنذ سيطرة داعش على مناطق واسعة في عدة محافظات، أبرزها نينوى وصلاح الدين والأنبار وكركوك، إثر هجوم مباغت فشل الجيش والقوات الأمنية في صده صيف 2014، سقطت معظم محاولات الدولة في بسط سيطرتها وحماية المدنيين.

ورغم أن القوات العراقية تخوض معركة تحرير المناطق من عنف داعش تحت غطاء جوي لطائرات التحالف الدولي منذ سبتمبر 2014، إلا أنها لم تنجح في كسب الحرب على الإرهاب، واكتفت بطرد المتشددين من بعض المدن والأقاليم.

واللافت أن خسارة داعش في بعض المناطق لم تكن بفضل جهود القوات العراقية منفردة، بل جاءت بدعم من ميليشيات مسلحة شكلتها تيارات سياسية ودينية باتت تعرف بالحشد الشعبي أو بمساندة قوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان.

وآخر هذه الانتصارات تحرير مدينة تكريت بمحافظات صلاح الدين، التي اعتبر البعض أنها فتحت الباب على انهيار داعش، إذ أعلنت الحكومة على أثرها شن حملة ضد التنظيم في الأنبار، قبل التوجه إلى مدينة الموصل في نينوى.

بيد أن معركة تحرير تكريت، التي كان للحشد الشعبي وقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، اليد العليا فيها، أثارت عاصفة سياسية بعد اتهامات من منظمات حقوقية لميليشيات المتطوعين بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين في المنطقة.

وعلى أثر هذه الاتهامات التي شملت قتل مدنيين وحرق ونهب الممتلكات، رفضت القيادات المحلية في الأنبار إشراك قوات الحشد الشعبي في معركة تحرير المحافظة خوفا من تكرار الانتهاكات مما قد يؤدي إلى إشعال فتنة مذهبية في المنطقة.

وأصرت تلك القيادات على خوض مقاتلي عشائر المحافظة المعركة إلى جانب القوات العراقية، إلا أن العملية فشلت حتى قبل أن تبدأ، لاسيما مع الجدل الذي أثير حول تسليح المقاتلين المحليين وقدرة الجيش على الصمود أمام عنف تنظيم الدولة.

وتحققت هذه المخاوف بالفعل خلال اليومين الماضيين، حيث انهار جيش والأمن والشرطة أمام هجوم داعش على مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لفرار جماعي للقوات العراقية.

وبعد سيطرة تنظيم الدولة على معظم المناطق بالمدينة ومقرات حكومية وعسكرية على غرار مركز قيادة عمليات الأنبار، سارع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إلى توجيه نداء للحشد الشعبي للاستعداد لمعركة تحرير المحافظة.

وطرح نداء الاستغاثة هذا، الذي جاء بعد أسبوعين تقريبا على نداء مماثل لضباط يشاركون في معركة بيجي بمحافظة صلاح الدين، تساؤلات عن سبب عدم قدة الجيش، الذي يملك أسلحة حديثة، على العمل منفردا وفقا لأبسط قواعد سيادة الدول.

فهل الجيش الذي يملك طائرات ومروحيات ومدفعية ويدرب أفراده على يد قوات أميركية منذ 2003 ويخصص جزء كبير من ميزانية الدولة النفطية لتسليحه ودعمه، أقل فعالية من الحشد الشعبي المفترض أنه يضم مجموعة من المقاتلين المتطوعين.

ولماذا ينسحب جنوده وضباطه أمام هجمات حفنة من المتشددين واضعا المدنيين في مواجهة العنف والتطرف، وسط اتهامات من المجالس المحلية للحكومة بعدم الاستجابة لمناشداتها ونداءاتها بإرسال تعزيزات عسكرية إلى المناطق المهددة.

وفي حال نجحت الاستعانة بقوات الحشد الشعبي في تحرير الرمادي، التي بات معظم سكانها على أبواب بغداد يتوسلون السماح لهم الدخول إلى عاصمة بلدهم، هل ستتمكن الحكومة من الحفاظ على هذا الانتصار ومنع تكرار انتهاكات تكريت.