ملف لا يكاد يخبو عن سطح الاهتمامات السياسية والأمنية وحتى الشعبية في تونس حتى يطل برأسه مجددا فارضا نفسه على رأس قائمة الأولويات في الخضراء .. إنه الملف المعضلة والمقصود هنا "الأمن الموازي".

فالكل يجتهد في الظفر بإجابة شافية تثلج الصدور وتبتر حبل التوتر ، فعدم الحسم بوجود أو عدم وجود هذا "البعبع" يقض المضاجع ويعلي منسوب الشائعات والتكهنات.

فهل ملف الأمن الموازي في تونس مجرد فرقعة سياسية وبالونة اختبار لأعصاب الشارع التونسي أم أنه لغم حقيقي لم ير منه الشارع التونسي إلا تباشير بسيطة تنبئ بما هو أعظم وأدمى في المستقبل؟

مسلسل اللاحسم
لا جواب يشفي الصدور حتى الآن ولا حسم نهائي في هذا الملف بالذات، رغم أن تصريحات جادة لعديد المسؤولين والسياسيين تدق بشدة نواقيس الخطر وتطرح بإلحاح سيناريوهات هذا الملف الشائك وتحذر بشدة من مآلاته.

"مختار بن نصر: "هناك فعلا هناك حديث عن اختراقات أمنية لكن لا يمكن تحديد الضالعين فيها كما أنه لا يمكن الحديث عن أمن مواز في ظل عدم تحديد هذا المفهوم"."

هذا المد والجزر، والتأكيد والتنفيد، والإدانة والمطالبة بالتريث، كل ذلك يزيد من ملف" الأمن الموازي" تعقيدا ويجعله أكثر إقلاقا وإرباكا لعدة جهات تسهر على إرساء مقومات الأمن في البلادء، وكذلك بالنسبة للمواطن العادي الذي استبد به  الشك والريبة حيال من يتعهد أمنه وأمن وطنه.

عصام الدردوري رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن  كان من بين زمرة المؤكدين بأن الأمن الموازي في تونس حقيقة تنأى عن الريبة حيث ذكر "أن مسالة وجود أمن مواز أمر واقعي و لا يرقى إليه الشك وقد سبق لوزير الداخلية أن صرح لوسائل الإعلام بوجود اختراقات ثابتة داخل المنظومة الأمنية".

وقد ذهب الدردوري في تأكيداته لهذا الواقع  قائلا إن "التحرّيات الأمنية والقضائية كشفت وجود عدة اختراقات في صلب الأجهزة الأمنية وسيتم في هذا الصدد رفع قضية حول ملف الأمن الموازي وتهمة اختراق المؤسسة الأمنية والتآمر على أمن الدولة والتي تتورط فيها مجموعة من السياسيين والأمنيين".

وطالب لدردوري بـ"ضرورة إبعاد بعض الأطراف الأمنية التابعة لأحزاب سياسية معينة تتحكم في إدارة بعض الوحدات الأمنية وتطلب منها تنفيذ عمليات دون أخذ تعليمات من رؤسائها"، مردفا: "هذه العناصر الأمنية الحزبية تتمتع بمسؤوليات متقدمة في صلب الداخلية وهو ما يعني تحكمها وتأثيرها في المنظومة الأمنية من خلال اتخاذ قرارات من شأنها التأثير سلبا على سير العمل".

ويتفق عضو نقابة الأمن الجمهوري وليد زروق مع كلام الدردوري، إذ يوضح "أن نجاح العملية الإرهابية بالقصرين التي أودت بحياة 4 أمنيين وإصابة اثنين، أكد وجود اختراق للمؤسسة الأمنية وفشلها في حماية المواطنين والأمنيين على حد السواء".

وأضاف:"من المرجح وجود أطراف داخل المؤسسة الأمنية تقوم بإمداد الإرهابيين بالمعلومات التي تساعدهم على التحرك.. هناك طيف سياسي متورط في زرع الفوضى الممنهجة داخل مؤسسات الدولة".

وشدد زروق على ضرورة مراجعة بعض التعيينات وفتح تحقيق مع بعض القيادات والكوادر في حال ثبوت تورّطها ليتحمل المسؤول عن هذه الأعمال الإرهابية مسؤوليته أو يقدّم استقالته إذا فشل في مهمته، وأضاف أن الفساد أصبح بعد الثورة مستشريا في كل المجالات ولا ينحصر صلب المؤسسة الأمنية فحسب.

"عصام الدردوري: إن مسألة وجود أمن مواز أمر واقعي ومفرغ منه ولا يرقى إليه الشك"

من جانبه، اتخذ العميد المتقاعد من الجيش الوطني مختار بن نصر خطابا أكثر توازنا في هذا الإطار، حيث رجح إمكانية وجود هذا الجهاز ضمن المنظومة الأمنية التونسية، إذ ذكر "أن إمكانية وجود اختراقات في صلب أية منظومة أمنية في العالم أمر وارد، والاختراق الأمني عادة ما يكون من قبل أشخاص يعرفون بانتمائهم السياسي أو أشخاص على صلة بالمنظومة الأمنية والهدف من القيام بهذه العمليات غير الشرعية هو إتمام غرض معين يسعون إلى تحقيقه".

واعتبر بن نصر "أن هناك فعلا حديث عن اختراقات أمنية لكن لا يمكن تحديد الضالعين فيها كما أنه لا يمكن الحديث عن أمن مواز في ظل عدم تحديد هذا المفهوم".

مقاربة هادئة لم تصمد أمام مستجدات الواقع حيث سعرت عملية توقيف عبد الكريم العبيدي، وهو أحد القيادات الأمنية المقربة من حركة النهضة، مؤخرا من نيران الشكوك والتحاملات، إذ أضرم هذا الاعتقال جدلا سياسيا بشأن قضية الأمن الموازي ومدى تعرض أجهزة وزارة الداخلية للاختراق خلال حكم حركة النهضة".

وكان العبيدي قد اعتقل على خلفية اتهامات تشير إلى علاقته  باغتيال المعارض اليساري محمد البراهمي.

ويشار الى أن تونس شهدت خلال فترة حكم الترويكا حالة من الإرباك الأمني، وهي فترة أمطرت فيها حركة النهضة باتهامات شديدة مفادها بتشكيل جهاز أمني مواز لاختراق وزارة الداخلية وتسهيل عمل الجماعات المتطرفة.

ولخص وليد زروق رئيس منظمة مراقب لإصلاح الأمن،  تجاذبات المشهد السياسي  التونسي اليوم حيال هذا الملف كالآتي "إن الجدل الحاد الذي شهده المجلس التأسيسي بين نواب حركة النهضة ونواب المعارضة الديمقراطية بعد جريمتي اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي من المنتظر أن يعود اليوم إلى قبة البرلمان بتوازنات سياسية جديدة وصعود قادة سياسيين من بينهم النائبة مباركة عواينية، أرملة البراهمي".

وهو ما أكدته عواينية نفسها بقولها "ومن المنتظر أن يشهد هذا الملف تطورات ومنعرجات حاسمة في الأسابيع المقبلة سيكون لها انعكاسات هامة على المشهد السياسي في تونس".