مع استمرار النزاع وفقدان أمل العودة قريبا إلى سوريا، يعمل اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري شمال الأردن على التكيف مع الواقع عبر تحويل خيامهم إلى أكشاك ومقاه لتأمين بعض الدخل في مواجهة ظروف معيشتهم القاسية.

وعلى جانبي الطريق الرئيسي للمخيم الذي يعيش فيه أكثر من 62 ألف لاجيء في منطقة نائية متاخمة للحدود مع سوريا، حول عشرات اللاجئين خيامهم الصغيرة إلى أكشاك حملت أسماء "الثورة" و"الحرية" يبيعون فيها الخضروات والفواكه والمياه والخبز والفلافل والبهارات والملابس المستعملة والمواد الكهربائية والحلويات والشكولاته.

كما حول البعض خيامهم إلى مقاه وصالونات حلاقة في الطريق الرئيسي للمخيم الذي غص بمئات اللاجئين الذين يعملون جاهدين على استعادة الشعور بالحياة الطبيعية التي باتوا يفتقدونها.

ويقول وائل جبر (26 عاما) وهو بائع خضروات "كان لابد أن نعمل شيئا وأن لا نجلس مكتوفي الأيدي طوال الوقت في خيمنا بانتظار المصير المجهول".

وأضاف "لا أحد يريد الإقامة في مكان بائس كهذا، لكن لا خيار لنا سوى التحمل والتكيف مع الواقع حتى يفرجها الله".

وقال "هذه الأكشاك التي بدأت تفتح منذ أكثر من شهرين بثت الحياة في المكان".

وأوضح جبر وهو من قرية الطيبة، جنوب دمشق، أن "على المنظمات الدولية أن تقدم المزيد من المساعدات وأن تكون أكثر سخاء معنا لنتمكن من أن نحيا حياة كريمة"، مشيرا إلى أن "غالبية النازحين إلى الأردن من النساء والأطفال، ويأتون في أغلب الأحيان بالملابس التي عليهم، بلا مال أو ممتلكات. فكيف يتوقعون منهم أن يتدبروا أمورهم بأنفسهم؟".

ويعمل فتيان سوريون تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاما شتى المهن لإعالة عائلاتهم في المخيم.

ويبدو أحمد (15 عاما) منهمكا في بيع شرائح الهاتف المحمول، عارضا على المارة بضاعته وعلى وجهه ابتسامة عريضة.

ويقول أحمد وهو يحمل لافتة صغيرة كتب عليها أسماء بطاقات الهاتف التي يبيعها، إنه يعطي في آخر النهار كل ما يكسبه لوالده لتأمين احتياجات عائلته المكونة من سبعة أفراد مع جده وجدته.

وبعيدا عن السوق تعمل العائلات بوسائلها البسيطة على مواجهة فصل الشتاء في المخيم الواقع في محافظة المفرق في منطقة صحراوية.

ويقول نسيم محمود البالغ من العمر 35 عاما والذي كان يقوم بتثبيت أعمدة خيمته كي لا تنتزعها رياح الشتاء القوية، "أحاول أن أحافظ على الخيمة دافئة قدر المستطاع حتى لا يمرض طفلاي".

ويقول محمود وهو موظف حكومي وأب لطفلين فر من حمص، وسط سوريا، إلى الأردن قبل نحو ثلاثة أشهر، "لا نعرف كم من الوقت سيدوم هذا النزاع لذلك علينا أن نتكيف (...) بصراحة نحن نخاف أن نرجع طالما أن النظام لا يزال قائما".

ويشعر الكثير من اللاجئين بأنهم متروكون. ويقول عصام ابراهيم القادم من درعا بجنوب سوريا، على بعد أربعة كلم عن الحدود الأردنية، وهو جالس على التراب خارج خيمته "هربنا من القصف والدمار والموت ولم نفكر في عدو آخر متربص بنا اسمه الشتاء".

ويشكو اللاجئون من البرد القارس وعدم كفاية المساعدات المخصصة لهم، وخصوصا الأغطية والفراش والملابس الشتوية.

ويقول ابراهيم (47 عاما) وهو ينفث دخان سيجارته "رغم البرد القارس، لم أحصل حتى الآن على مدفأة، وعندما يحل الليل فإنني وزوجتي وأطفالي الخمسة نرتجف من شدة البرد، لا تفصلنا عن السماء سوى أغطية بالية وقطعة قماش" في إشارة إلى سقف الخيمة.

فر ابراهيم وهو مزارع قبل نحو أربعة أشهر إلى المخيم مع أعداد كبيرة من سكان مدينة درعا في جنوب سوريا بعد أن تعرضت مدينتهم التي شهدت معارك ضارية بين الجيش النظامي وعناصر الجيش الحر المعارض إلى غارات جوية مكثفة.

وتقول زوجة ابراهيم وهي تخفي وجهها بمنديل "جئنا جميعنا، كل عشيرتنا تقريبا. مشينا ثلاث ساعات ونصف ونحن نحمل أطفالنا بين أذرعنا وعلى أكتافنا، هربنا من القصف والموت".

ثم تضيف بحسرة "لكن الوضع هنا سيء ولم يكن في بالنا أننا سنعاني الأمرين في هذه الصحراء القاحلة والباردة وأننا سنقضي فصل الشتاء في خيمة"، وقال "أغطي أطفالي بخمسة أغطية علني أقيهم من البرد".

وأفاد التقرير الأخير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة حول سوريا أن عدد اللاجئين السوريين في الأردن والعراق ولبنان وتركيا فاق حاليا 540 ألفا، متوقعا أن يبلغ عدد اللاجئين 1,1 مليون مع حلول يونيو 2013، في حال استمرار النزاع.

وعلى طول شارع المخيم يركض أولاد صغار بملابسهم التي غطاها الغبار وهم ينادون بعضهم. وتقف فتيات صغيرات يرتدين الحجاب وينظرن بخجل.

وأخذ أحد الصبية يكتب بالطبشور على إحدى الخيم "سوريا الحرة" في وقت كانت تمر ببطء شاحنات تنقل مياه ومواد غذائية وأدوات بناء دون أن يكترث لها أحد.

وفي آخر المخيم يجري تعديل وتسوية الأرض ونصب عربات متنقلة جديدة استعدادا لوصول لاجئين جدد.

ويعبر مئات السوريين يوميا الشريط الحدودي مع الأردن بشكل غير شرعي، هربا من القتال الدائر بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة والذي أسفر عن أكثر من 60 ألف قتيل، بحسب الأمم المتحدة.

وتفيد المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين والذين ينتظرون التسجيل في الأردن يبلغ 142 ألفا و664. وتقدر الحكومة الأردنية عددهم بأكثر من 290 ألفا.

ويقطن الكثير من اللاجئين في مساكن مؤقتة في الرمثا والمفرق وإربد (شمال) قرب الحدود مع سوريا أو لدى أقارب أو أصدقاء لهم في باقي مدن المملكة.