رغم حرص التصريحات الرسمية العراقية على نفي تقديم أي مساعدة رسمية لطرفي النزاع في سوريا، وتأكيدها على أن الحكومة العراقية تتبنى الحل السلمي للأزمة، إلا أن الأوضاع المتأزمة منذ نحو عامين ونصف بسوريا، تلقي بلا شك بظلال قاتمة على المشهد العراقي.

واعتبر وزير الخارجية، هوشيار زيباري، أن العراق سيكون أكثر الدول تضررا جراء الأزمة في سوريا، وحذر من العواقب في حال تفشت الطائفية في المنطقة، أو "إذا لم يتم حل النزاع".

ويبدو انعكاس الأوضاع الراهنة في سوريا على الوضع الأمني العراقي ملموسا بالنظر إلى نحو 600 كم من الحدود المشتركة بين الدولتين، ما يدفع إلى الخشية من انتقال المشهد الدموي السوري إلى العراق، خصوصا في ظل إمكانية تحرك العناصر المتشددة، وتنظيم القاعدة، بين البلدين.

ويرى الخبير الاستراتيجي، مهند العزاوي، أن الأزمة السورية تلقي بظلالها على العراق عبر ملامح عدة، إذ أنها تبرز الانقسام السياسي بالداخل العراقي، كما تفرض واقعا أمنيا وعسكريا جديدا عبر ما وصفه بـ"تناسل وانشطار الميلشيات الإرهابية التي تحمل فكرا متشددا، وتثير الاستفزازات وتشعل المخاطر الأمنية وصولا إلى ما قد يفجر حربا أهلية".

ولفت العزاوي، في تصريحات لسكاي نيوز عربية، إلى تأثيرات أخرى تتمثل في استنزاف موارد العراق، في ظل ما يرى أنه دعم تقدمه حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى النظام السوري، سواء بالمال أو بالوقود، فضلا عن تأثر السوق العراقية بتعطل الآلة الإنتاجية السورية، ما ترتب عليه ارتفاع الأسعار بالعراق.

كما أشار إلى تأثيرات ثقافية سلبية تتمثل في خرق منظومات القيم وإرهاب الرأي الآخر، واتهامات متبادلة بالعمالة، والقتل على الهوية، ليستخلص في النهاية أن العراق لا يمكن أن يستقل بنفسه عما يحدث في سوريا.

تهريب السلاح

وتشير دراسة وضعها "مركز بغداد للدراسات والاستشارات والإعلام"، المتخصص في القضايا الاستراتيجية العراقية، إلى حتمية انعكاس الأوضاع في سوريا على الوضع الأمني الراهن بالعراق في حال استمرت الأزمة على ما هي عليه الآن، وذلك نتيجة إمكانية تزايد عمليات تهريب السلاح من وإلى العراق، والعكس.

ووفقا لتقرير المركز فإن معظم مناطق الحدود السورية العراقية "مناطق رخوة أمنيا"، ما يعني خلق بيئة ملائمة للتنظيمات المتشددة تساعدها على التواجد والاستمرار خاصة بعد الانسحاب الأميركي من العراق، وزوال مبررات وجود تلك التنظيمات في العراق، حيث سيلقي ازدهار هذه التنظيمات وتزايد دورها في سوريا بتبعاته السلبية علي المشهد العراقي.

ومن جهته يرى المحلل السياسي حميد الكفائي أن "موقف الحكومة العراقية (المساند) للنظام السوري (على الأقل من وجهة نظر الجماعات المسلحة)، أو (المتفرج) على الأزمة، أو (المتعاون) مع إيران، جعل كثيرين من السنة العراقيين يعتبرون النظام الحالي نظاما طائفيا لا يستحق الدعم".

وتابع: "أن ذلك ما يحول أفرادا عاديين من الشيعة في المساجد والحسينيات والأضرحة والأسواق إلى أهداف (مشروعة) لتلك الجماعات التي تشن حربا عليهم، وتعتبر العلويين في سوريا جزءا منهم".

وأشار الكفائي إلى أن الحكومة العراقية لم تنخرط بقوة إلى جانب النظام السوري مع خوفها من تداعيات سقوطه على الوضع في العراق، موضحا أن "العراق بصفته جارا مباشرا لسوريا يتعرض لتداعيات الأزمة السورية".

وأعرب عن اعتقاده بأن "تراجع الجماعات المسلحة في سوريا تحت ضربات قوات النظام السوري جعلها تصب جام غضبها على العراق، خصوصا مع اعتبارها الحرب واحدة في البلدين، وإحالتها أسباب بقاء الرئيس السوري بشار الأسد إلى تعاون العراق وإيران مع نظامه".

يشار إلى أن العراق يشهد تفجيرات وأعمال عنف بشكل شبه يومي، وقد بلغ عدد الضحايا جراء عمليات العنف، نحو 500 قتيل، منذ بداية يوليو الحالي.

وأخيرا فقد اعتبر العزاوي أن تفشي العنف مؤخرا يعد بمثابة "اللعب بالنار"، وأن الأمور خرجت عن سيطرة الحكومة، وأن الأوضاع مهددة بالانفلات أكثر فأكثر، مشيرا إلى أن العراقيين بانتظار "أيام صعبة مقبلة"، على حد تعبيره.