رأى محللون في الخطاب الحماسي الذي ألقاه الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي مساء الجمعة في ميدان التحرير "استدعاء لصورة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، مع الافتقار لكاريزما هذا الزعيم"، بينما رأى فيه آخرون "شعبوية" الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز.

وفضّل البعض وصف الخطاب على أنه محاولة لردم الفجوة بين الموقف العملي وبين التعبئة الشعبية في الميدان، وهذا ما ذهب إليه الصحفي جمال فهمي حين قال: "الخطاب كله محاولة لردم الفجوة بين الموقف الواقعي والعملي الذي قررته جماعة الإخوان المسلمين بإعلان أن الرئيس سيقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية وبين موقف التعبئة الشعبية التي قاموا بها في الميدان تحت شعار رفض قرارات المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب."

وأضاف فهمي لسكاي نيوز عربية "الخطاب اتسم بحماسية شديدة تحاول أن تستقطب جمهور الميدان وتؤجل الصدام أو تحاول أن تخفف العلاقة معه بعد القرار باحترام الدستور".

ويرى الصحفي أن "الطابع العاطفي الحماسي للخطاب استهدف شراء رضا الميدان وفي نفس الوقت الاحتفاظ به كوسيلة ضغط على المجلس العسكري الذي أصدر الإعلان الدستوري المكمل الذي انتقص من صلاحيات الرئيس".

ويرى فهمي في ذلك رغبة من حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس "بالاحتفاظ بالجنة والنار معا أو بقول آخر ممارسة السلطة والثورية في آن واحد".

لكن ذلك برأي فهمي "غير قابل للاستمرار وسوف يحدث شقاقا بين السلطتين، الشارع والدولة، بعد وقت قصير جدا".

وأضاف " في رأيي أن جماعة الإخوان فضلت اعتبارات السلطة على الشارع وهي الآن تحاول التخفيف من وطأة  الإفصاح عن هذه الخطوة أو الاعتراف بها".

وتابع فهمي "الخطاب أعطى صلاحية أكبر للميدان وليس للمجتمع وهناك فرق كبير، فالميدان لم يعد حالة متوافقة مع المجتمع كما كان في بداية ثورة 25 يناير 2011 بل أصبح له استقلال نوعي".

وهذا التصرف وفقا لفهمي "لا يخلو من المغامرة لأن الدولة لها أحكامها واعتباراتها ومن المؤكد أن السلطتين ستصطدمان فيما بعد".

وقال إن "الدعوة للبناء التي أطلقها مرسي لا يمكن أن تستجاب بينما لا يزال هذا الحشد في الشوارع فلابد من توافر الاستقرار والهدوء من أجل البناء والتنمية".

ويرى الصحفي الناصري عبد الله السناوي أن أداء مرسي في خطابه "فيه استدعاء واضح لصورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر" الذي من المفارقة أنه اتهم الإخوان المسلمين بمحاولة اغتياله أثناء إلقائه خطابا في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954 والذي تلاه حملة اعتقالات واسعة لأعضاء الجماعة.

وقال السناوي "إنني أمام رجل سيقسم السبت أمام المحكمة الدستورية العليا وأمامه اعتبارات مشاعر واعتصامات دعت إلى عودة مجلس الشعب والرجوع عن قرارات نفس الجهة التي ستعطيه شرعيته لممارسة مهامه كرئيس".
ويرى أن مرسي حاول الخروج من هذا المأزق عندما "أشار إلى الشعب ونوابه ولكنه عندما كاد يغادر المنصة أكد وكرر أنه يحترم القضاء".

وعن أدائه رأى السناوي أن مرسي "حاول أن يخرج من الصورة الأولى التي تركها لدى الشعب بأنه رئيس ضعيف وأنه يريد أن يرسم صورة الرئيس القوي" خاصة عندما قال: "أنا من أملك تحديد ما يحدث وأنا وكلتكم" ولكنه عاد ليوجه إلى الميدان رسالة ضمنية بعدم المغالاة في الطلب عندما قال "لا يصح لأحد أن يزايد على الرئيس".

وقرأ السناوي في الخطاب أيضا محاولة لاستدراك الأثر السلبي الذي تركه خطابه أثناء الحملة الانتخابية ثم بيانه الذي ألقاه عبر التلفزيون المصري والذي أغفل فيه ذكر المثقفين والأدباء والفنانين بينما أتى علي ذكر كل جزء من جغرافية مصر وشرائحها الاجتماعية بما فيها سائقي التوك توك".

وقال السناوي "صحيح أنه ردد أشعار حافظ إبراهيم التي تغنت بها أم كلثوم لمحاولة خلق صورة جديدة للرئيس، ولكن خلق الصورة لا تصنعها الخطابات ولكن الأفعال العملية من رعاية الثقافة والفنون والإعلام الحر".

أما الأستاذ المحاضر ومدير برنامج الدراسات العليا لسياسة الشرق الأوسط بجامعة إكسيتير Exeter البريطانية، عمر عاشور فيري أن "الخطاب كان موفقا جدا واعتذر به الرئيس عن أخطائه السابقة والتحم مع الجماهير وتواصل مع الثورة وأظهر به قوة بتحديه القوي للجيش والشرطة، وأن السلطة ليست من الجيش بل من الشعب وأنه أعلى من أي سلطة أخرى".

ووفقا لعاشور فإن مرسي "وضّح أنه يوجد ما يمنعه من الالتحام مع الشعب خاصة عندما أزاح سترته قائلا إنني لا أرتدي درعا واقيا من الرصاص، وعندما حاول أفراد طاقم الأمن الإحاطة به لحمايته ففك أياديهم التي طوقته ليعود ويكمل كلامه للشعب من جديد".

وقال عاشور "لقد ذكرني بعبد الناصر في بداياته في أول ثورة يوليو 1952، صحيح أنه لا يتمتع بنفس الكاريزما، فعبد الناصر كان شابا في العشرينات من عمره، بعكس مرسي الذي بلغ من العمر 60 عاما، لكنه كان صادقا وهذا شيء جديد بالنسبة للمصريين الذين لم يعتادوا على أن يكلمهم الحاكم بصراحة".

"المشاعر في ميدان التحرير كانت ملتهبة والتفاعل عالي وهذا عوّض عن نقص الكاريزما لدى مرسي"، حسب عاشور.

ولا يرى الأكاديمي تناقضا بين أداء مرسي القسم أمام جمهور يعتصم منذ نحو عشرة أيام ضد قرارات المحكمة الدستورية العليا وبين أدائه القسم أمامها في اليوم التالي.

ويقول "لا بالعكس هو يحاول إيجاد نوع من عدم التناقض بين الموقفين ليقول أنا آخذ شرعيتي منكم وأحترم أيضا القانون"، ويرى عاشور أن البرهان على صحة هذا الموقف هو "أن الحركات الثورية التي كانت ترى في القسم أمام المحكمة إذعانا لم يصدر عنها أي احتجاج بعد الخطاب".

ويرى أن أداء اليمين أمام المحكمة كان ضروريا حتى "لا يطعن في شرعية الرئيس بعد ذلك".

وعن قول الرئيس لجمهور الميدان إنه يحتمي بهم ولا شيء غيرهم، لا يرى عاشور في ذلك محاولة لتحويل المواجهة بينه وبين المجلس العسكري إلى المتظاهرين في ميدان التحرير.

أما الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عماد جاد فيرى أن أداء مرسي في التحرير كان أداء "رئيس شعبوي يتصرف تصرفات معارضة بينما يريد أن يمارس سلطات رئيس دولة".

وتساءل الباحث "لقد أصبح لدينا شافيز يريد الثورة ويريد السلطة، فكيف يمكن أن يجمع بينهما؟".

واختتم جاد قائلا "المفروض أن يدير الدولة إدارة دستورية ويقول أحترم القانون والدستور وفي نفس الوقت يقول للمعتصمين ساعدوني كي أخذ صلاحياتي كاملة وفي هذا تناقض وبلبلة".