وصف الكاتب الفلسطيني المعروف سلامة كيلة الذي تعرض للسجن في سوريا لمدة تقارب ثلاثة أسابيع، السجون السورية بأنها "مسالخ بشرية"، حيث يضرب الحراس معتقليهم بهراوات غليظة ويزجون بهم في غياهب زنازين "عفنة" ويعمدون إلى تقييدهم إلى الأسرّة ليلا.

واعتقل كيلة (56 عاما) في الرابع والعشرين من أبريل بتهمة طباعة منشورات تدعو للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، الذي يسعى نظامه لقمع انتفاضة مناهضة لحكمه طيلة خمسة عشر شهرا.

ووفقا للأسوشييتدبرس يمثل ما رواه كيلة عن تجربة سجنه فرصة نادرة لإلقاء نظرة عن كثب على الظروف التي يعاني منها المعتقلون في سجون النظام السوري.

"كما لو أنه جحيم على الأرض" تلك كانت كلمات كيلة لـ"أسوشييتد برس" بعد أسبوع تقريبا من إطلاق القوات السورية سراحه من السجن وترحيله للأردن.

وتحدث كيلة من منزل أحد أصدقائه في إحدى ضواحي عمان، كانت الكدمات والجروح تغطي ساقيه، قال إنها نتيجة ضربه بهراوات خشبية ملية بالمسامير والدبابيس.

وقال كيلة بصوت واهن وقد بدا الإرهاق الشديد على جسده حتى أنه بالكاد كان يتمكن من الوقوف على قدميه: "شعرت أنني سأموت لا محالة تحت وطأة ذلك الضرب العنيف المتواصل من قبل المحققين الذين قيدوني بحبال تتدلى من السقف".

اعتقال لثاني مرة

وعانى كيلة الذي ولد في بيرزيت بالضفة الغربية من بطش النظام السوري قبلا، حيث سجنته الحكومة السورية عام 1992 لمدة 8 سنوات على متهمة إياه بـ"إقامة صلات مع جماعات شيوعية ويسارية سورية سرية".

وألف كيلة المعروف بتوجهاته اليسارية، كتبا حول قضايا عدة تتراوح بين الماركسية والقومية العربية.

وتنقل كيلة هذه المرة بين أربعة مراكز احتجاز بعد اعتقال قوات الأمن له من منزله في العاصمة السورية دمشق، حيث عاش لمدة تزيد على الثلاثين عاما.

ونفى كيلة أية صلة بطبع المنشورات، وقال إنها أثارت غضب النظام لأنها كتب عليها "كي تتحرر فلسطين يجب أن يسقط النظام السوري".

وأثار احتجاز كيلة استنكارا واسعا من قبل المثقفين العرب الذين دعوا لإطلاق سراحه وهاجموا نظام الأسد.

وكان علي فرزات رسام الكاريكاتير السياسي البارز الذي عبرت رسومه عن احتجاجات سوريين غاضبين، تعرض للضرب هو الآخر على يد مسلحين ملثمين وهو يغادر مرسمه في دمشق أغسطس الماضي، وعمد مهاجموه إلى تكسير يديه قبل أن يلقوه على قارعة الطريق خارج دمشق.

وجرى اعتقال مجموعة من المثقفين والفنانين، من بينهم الممثلة السورية مي سكاف، وحكم عليهم بالسجن لمدة أسبوع الصيف الماضي بعد المشاركة في مظاهرة بدمشق.

وفي إشارة إلى اعتقالة، قال كيلة إن المخابرات السورية اقتحمت منزله في حي المزة الراقي بدمشق بعد منتصف الليل.

وقال: "قاموا بتكبيل يداي وعصبوا عيناي، وأخذوا ثلاثة من الحواسب الآلية المحمولة وهواتف نقالة وأي ورقة وصلت إيديهم إليها. أخبرتهم أنه لا علاقة لي بالمنشورات، لكن المحققين أصروا على أن لديهم معلومات بأنني كنت أقوم بطبعها وتوزيعها".

تهديد بالاغتصاب

وقال إن الأمن السوري أراد تخويفه عن طريق جعله "عارا على فلسطين والشعب الفلسطيني، أو توجيه الشتائم لي والقول بأن الإسرائيليين أفضل منا".

وتابع: "في إحدى مراكز الاعتقال في المزة، هددني عناصر من الأمن السوري بأنهم سيقومون باغتصابي وتصوير ذلك ونشره على الإنترنت".

وأفاد كيلة إنه كان في زنزانة بها ما لا يقل عن ستة من المنشقين عن الجيش وعدد من الأطباء الذين عالجوا الجرحى من المدنيين.

وقال إنه سمع خلال الليل سجناء آخرين "يبكون ويصرخون وهم يتعرضون للضرب".

وبعد أيام، قال كيلة إنه نقل إلى مشفى حكومي لعلاج جروح في ساقه، وهناك "كانت الظروف أسوأ من الوضع الذي كان في مراكز الاحتجاز".

وقال إنه "كان يشعر بالاختناق في غرفة صغيرة بها ثلاثون سجينا آخر، معظمهم من الناشطين الذين يزعم أنهم شاركوا في احتجاجات مناهضة للنظام. الغرفة كانت لا تكاد تكفي خمسة أشخاص"، وفقا لكيلة.

وأضاف: "المشفى كان مملوءا برائحة القذارة والفضلات البشرية. وكان شخصان ينامان على سرير صغير. الطعام كان رديئا ولم نتمكن من تناوله بصورة جيدة لأن أيدينا وقدمينا كانت مكبلة ليل نهار".

واستطرد: "لم يسمح لنا بالذهاب إلى المراحيض. ومع ذلك، كنا نتعرض للضرب إذا ما تبولنا أثناء النوم. مراكز الاعتقال التي أخذت إليها كانت مسالخ بشرية"، بحسب كيلة.

وتتهم جماعات حقوقية الحكومة السورية بتعذيب المعتقلين.

من جانبه، قال كلوديو غروسمان، رئيس لجنة الامم المتحدة لمناهضة التعذيب، إن الحكومة السورية نفذت عمليات قتل وتعذيب على نطاق واسع في مستشفيات ومراكز احتجاز ومراكز اعتقال سرية، فضلا عن تعذيب الأطفال والتعذيب الجنسي للمعتقلين من الذكور.