في مرحلة مضطربة وخطيرة من تاريخه، سببتها تداعيات الأزمة السورية، يجد لبنان نفسه مجددا في حالة من الفراغ السياسي والأمني بعد استقالة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، مما يثير التساؤلات حول كيف سيستغل حزب الله هذا الفراغ.

وكانت حكومة ميقاتي قد شكلت في يونيو 2011، أي بعد 3 أشهر من بدء الاحتجاجات في سوريا. وكونت أغلبيتها من الكتل السياسية المناصرة للرئيس السوري بشار الأسد، خاصة حركة أمل وحزب الله وحليفهم العماد ميشال عون.

وعلى الرغم من أن الدولة اللبنانية كانت قد أعلنت انتهاجها سياسة "النأي بالنفس" عن الأزمة في سوريا، إلا أن هذه الحرب لعبت دورا غير مباشر في إسقاط حكومة ميقاتي.

فقد حاول ميقاتي تمديد فترة تولي اللواء أشرف ريفي رئاسة قوى الأمن الداخلي وهو الذي يبلغ سن التقاعد أول أبريل.

وشدد ميقاتي على "موضوع مهم وهو معالجة الشغور المرتقب في موقع مدير عام قوى الأمن الداخلي لما لهذا الأمر من أهمية ولما يخشى من انعكاسات على الوضع الأمني في ظل الأخطار المحدقة بالوطن".

وأقل ما يقال أن الود مفقود بين حزب الله والجنرال ريفي، وهو من أشد المناهضين لحكومة دمشق، حيث أن قوات الأمن الداخلي لعبت دورا حاسما في التحقيق الذي أدى إلى إدانة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لأربعة من أعضاء حزب الله متهمين في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق حريري عام 2005.

وطبقا لجريدتي السفير والأخبار المقربتين من دمشق، أرسل ميقاتي رسالة إلى أمين عام حزب الله حسن نصر الله ينذره بتقديم استقالته في حال رفضه التمديد لريفي، فجاء رد نصرالله مقتضبا ليقول له "افعل ما شئت".

العامل الثاني الذي دفع ميقاتي إلى الاستقالة، كان إصراره على إجراء الانتخابات النيابية في في يونيو.

لكن الأحزاب المسيحية تريد تغيير القانون الانتخابي المعمول به حاليا وترى فيه غبنا لها، واستبداله بقانون ليكون الانتخاب على أساس طائفي. ولا يوجد توافق حتى الآن بشأن هذا القانون الذي يرى فيه الكثيرون تكريسا للطائفية.

ويستبعد الصحافيون والساسة تشكيل حكومة جديدة قريبا ويتوقعون دخول لبنان مرحلة فراغ سياسي وأمني.

وتتنبأ جريدة النهار، المقربة من فريق 14 أذار المعارض، بحلول "أزمة طويلة الأجل".

أما الأخبار فترى أن استقالة ميقاتي تعني "نهاية سياسة النأي بالنفس"، ونتوقع توترا أمنيا ليس فقط على الحدود مع سوريا ولكن أيضا داخل البلاد، محذرة بأن "الفوضى السياسية قد تستمر طويلا".

أما حزب الله فتجمع غالبية الأطراف على أنه سيكون مفتاح اللعبة.

يرى عضو "كتلة المستقبل"، التابعة لرئيس الوزراء السابق سعد الحريري، النائب جان أوغاسابيان ان "الامور اليوم ترتبط بمشروع حزب الله، فإما يأخذنا إلى الفراغ أو إلى حكومة إنقاذية".

وقال "نحن أمام خيارين، اما أن يستمر حزب الله بمنطق إحداث الفراغات في كل المؤسسات أو يقتنع الحزب أن هذه الإدارة السياسة التي يتبعها لا يمكن الاستمرار بها".

وسأل عضو "كتلة المستقبل" النائب خالد زهرمان "ماذا نستطيع أن نفعل في حال لم نتوصل إلى قانون انتخابات يرضي الجميع وتجري الانتخابات على أساسه, هل ندخل في الفراغ السياسي والفراغ الأمني ونسلم البلد إلى حزب الله والعماد ميشال عون ونضعه في مهب الريح كما يريد النظام السوري؟"

وأبدى قيادي في 14 آذار خشيته من أن تكون استقالة ميقاتي، مقدّمة لبدء تنفيذ خطة ترمي إلى القيام بتحرك عسكري في الداخل، على غرار الاشتباكات الدامية التي دارت بين الحكومة والمعارضة في مايو 2008، وكذلك على الحدود عبر اجتياح بعض المناطق في عكّار شمالا وعرسال شرقا.

طبقا للقيادي الذي رفض ذكر اسمه، سيفرض ذلك معادلة جديدة "من شأنها فرض تسوية مذلّة على فريق 14 أذار تتيح لحزب الله السيطرة على جميع مقدرات البلاد، وإدخال لبنان في المنظومة السورية-الإيرانية".

ويقول الكاتب أحمد عياش في جريدة النهار ، أن مصلحة حزب الله في التضحية بحكومة "كانت الأمثل له منذ خروج جيش النظام السوري من لبنان عام 2005؟" هي "ادخال لبنان في مرحلة الفراغ الأمني الذي سيكون الغطاء لتحرك حزب الله في الحرب على سوريا".

"في ظل الفراغ الأمني، ايضاً ستكون المؤسسات الأمنية على مستوى القيادة في حال موت سريري يحاكي مرحلة طويلة من حكم النظام السوري للبنان في عهد حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار"، حسب عياش.

ويؤكد الكاتب أن "هذه المرحلة يطمح حزب الله أن تكون له فيها الكلمة الأمنية العليا في لبنان فلا تكون للمؤسسات الأمنية الشرعية ومعها للمؤسسات السياسية التي نشاهد اليوم بدء الموت السريري لها ولاسيما مؤسسة السلطة التنفيذية. انه الفصل الأخير لمشروع حكم لبنان من طهران ودمشق".