بعد إعلان تركيا بإعادة فتح مدينة فاروشا شمالي قبرص، بدا الموقف المصري من بين أكثر المواقف الإقليمية والدولية المنددة بإجراءات أنقرة الأحادية والاستفزازية، وأيضا الأكثر إثارة للانتباه وللقلق في تركيا، بحسب مراقبين.

فقد عبرت القاهرة عن عميق قلقها إزاء ما تم إعلانه بشأن تغيير وضعية منطقة فاروشا المهجورة منذ غزتها القوات التركية قبل عقود، من خلال العمل على فتحها جزئيا، وذلك بما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان صحفي، على ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، وتجنب أي أعمال أحادية قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع وتزيد من مقدار التوتر، مع ضرورة الالتزام الكامل بمسار التسوية الشاملة للقضية القبرصية وفقا لقرارات الشرعية الدولية.

ويرى خبراء أن القاهرة معنية تماما بأمن واستقرار حوض المتوسط، ومنع سياسات التوسع وفرض الأمر الواقع، كون أمن مصر والعالم العربي عامة يتأثر مباشرة بما يحدث في المتوسط.

واعتبر الباحث السياسي فاروق عبد الله في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن "رسالة القاهرة وصلت لأردوغان، وهي أن مصر ستقف بالمرصاد أمام محاولات أنقرة للتمادي في سياساتها التوسعية والتوتيرية في مياه المتوسط خاصة وفي المنطقة عامة".

وقال عبد الله إن "موقف القاهرة سيكون الأشد بتصوري على أنقرة فيما يخص موضوعة فتح منتجع فاروشا القبرصي المحتل، كون القاهرة تملك أوراق ضغط وقوة، لا سيما لجهة علاقاتها المتطورة مع اليونان وقبرص في مختلف المجالات، خاصة فيما يخص التنسيق في ملف الطاقة في المياه الدافئة".

أخبار ذات صلة

بالفيديو.. صحة أردوغان تثير الشكوك في تركيا
واشنطن ترفض "حل الدولتين التركي" في قبرص

ويضيف: "لا ننسى هنا الاتفاق المعلن عنه أخيرا بين اليونان وجامعة الدول العربية قبل أيام، الذي كان رسالة أخرى موجهة لأنقرة، من أن الشراكة العربية اليونانية تتطور باضطراد، فيما تركيا تتخبط في مشاريعها التوسعية وسياساتها العدوانية".

ومن جهة أخرى، يرى مصدر دبلوماسي عربي فضل عدم ذكر اسمه لدى حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن الإعلان المصري الواضح في دعوته للركون إلى الشرعية الدولية في قبرص "مؤشر على أن محاولات أردوغان للتقارب مع مصر ومحاولة تخفيف العزلة عنه، لم تفلح في إحداث اختراق حقيقي، كون القاهرة لمست عدم جدية الجانب التركي في فتح صفحة جديدة، وفي الكف عن سياسات التوسع والتوتير ودعم الحركات الإخوانية المتطرفة".

ويضيف المصدر: "خير برهان على صحة هذه القراءات، ما تم خلال هذه الأيام الأخيرة في شمال قبرص وشمال سوريا، من تصعيد لنبرة التهديد التركية، حتى إن وزير الداخلية التركي صرح أنه سيكون بمقدورهم قريبا الذهاب للعراق وسوريا وليبيا سيرا على الأقدام، في تصريح ينم عن أطماع مكشوفة في بسط الهيمنة على هذه الدول، بل واقتطاع أجزاء منها حتى".

أخبار ذات صلة

من قبرص إلى سوريا.. المنطقة في مواجهة التوسع التركي
فاروشا.. مدينة "الأشباح" التي تختصر مأساة قبرص وأطماع تركيا

ويتابع: "لهذا كله فإن القاهرة بادرت إلى إعلان موقفها الرافض لما يتم في شمال قبرص، فإن نجحت أنقرة في تمرير أمر واقع احتلالها هناك، ستكون لذلك تبعات سلبية وخطيرة من حيث تشجيعها على المضي في توسيع وجودها العسكري غير الشرعي في كل من العراق وسوريا وليبيا".

ويردف المصدر الدبلوماسي: "القاهرة تعمل على توسيع صمامات الأمان للمنظومة العربية في وجه القوى الإقليمية الطامعة وفي مقدمها تركيا وإيران، فمثلا بادرت قبل أسابيع قليلة لتفعيل الاتفاق الثلاثي بينها وبغداد وعمّان، وكان لزيارة الرئيس المصري للعاصمة العراقية دلالات مهمة لحضور قمة بغداد الثلاثية، فضلا عن كون القاهرة عراب التعاون الواسع بين اليونان والدول العربية، الذي توج بتوقيع اتفاق لتأطير التنسيق وتوسيعه بين الجانبين العربي واليوناني في العاصمة المصرية قبل أيام".

وكانت جامعة الدول العربية قد وقعت مذكرة تفاهم مع اليونان، تنص على إقامة مشاورات سياسية، مؤكدة على العلاقات الوثيقة التي تربط الطرفين.

وفي مؤتمر صحفي للأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط ووزير خارجية اليونان نيكوس ديندياس في القاهرة، أعلن الرجلان توقيع مذكرة التفاهم.

وجاء في المذكرة: "الاتفاق على توسيع التفاهم بين اليونان والجامعة العربية"، حيث أكد الطرفان "مساندة بعضهما البعض في القضايا الرئيسية".

وأكد وزير خارجية اليونان أن بلاده "لديها علاقات وثيقة مع العالم العربي"، مشددا على ضرورة "وقف التدخلات الخارجية في المنطقة"، وقال: "هذه التدخلات تهدد الأمن الإقليمي. ندعو لانسحاب المرتزقة من ليبيا".

كما شد ديندياس على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في سوريا والعراق وليبيا.

وأكد أبو الغيط أن أثينا "لطالما وقفت مع القضايا العربية في وجه الظلم الخارجي".

ويرى مراقبون أن ما يحدث في منتجع فاروشا القبرصي، سيزيد من زخم التوافق العربي اليوناني، ومن سعيهما المشترك لوضع حد لتمادي أنقرة في خرق القوانين الدولية، وانتهاك سيادات العديد من دول المنطقة.