أطلق رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، الثلاثاء، مبادرة من أجل "تحصين" المسار الديمقراطي في البلاد، الذي أعقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.

وجاء إعلان المبادرة خلال مؤتمر صحفي عقده حمدوك في العاصمة السودانية، الخرطوم.

ويواجه المسار الديمقراطي الذي اتفقت عليه القوى السياسية السودانية، تحديات كبيرة، كالتدهور الاقتصادي والانفلات الأمني، إلى جانب غياب العدالة والخلافات بين القوى السياسية نفسها، علاوة على بطء تنفيذ اتفاق السلام مع الحركات المسلحة.

وبعد الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير، اتفقت قوى السودان وقادة الجيش على مرحلة انتقالية في السودان تبلغ 39 شهرا، تبدأ بتشكيل مجلس سيادة وتنتهي بحكومة منتخبة، لكن يبدو هذه العملية تواجه مصاعب كبرى.

وشملت المبادرة توحيد الكتلة الانتقالية، وإصلاح القطاع العسكري والأمني وتوحيد الجيش، وتوحيد السياسة الخارجية، والالتزام بتنفيذ اتفاق السلام الشامل، ومعالجة قضية العدالة بما يضمن عدم الإفلات من العقاب، والتوافق على برنامج اقتصادي عبر حوار شامل، وتفكيك دولة نظام الإخوان السابق لصالح دولة الوطن وتكوين المجلس التشريعي خلال شهر.

وقال حمدوك إن البلاد تعيش واقعا معقدا وتشهد أزمة وطنية شاملة نجمت عن الفشل في تحقيق الإجماع الوطني الشامل منذ استقلال البلاد في العام 1956، مؤكدا أن الشراكة تواجه تحديات وتشظيا عسكري - عسكري.

ومع ذلك أشار إلى الإنجازات التي تحققت على مستوى الانفتاح الخارجي ونجاح الحكومة في شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وقال حمدوك إنه شرع في إجراء لقاءات ومشاورات واسعة مع قيادات السلطة الانتقالية والقوى السياسية والمدنية وقوى "ثورة ديسمبر" التي أطاحت بالبشير، وذلك بخصوص تطوير مبادرات تهدف لتوحيد مكونات الثورة والتغيير وإنجاز السلام الشامل، وتحصين الانتقال الديموقراطي وتوسيع قاعدته وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.

أخبار ذات صلة

السودان.. لجنة التفكيك تقطع طريق عودة "الإخوان"
السودان.. أطباء ومهندسون نهارا و "سائقو نقل" ليلا
السودان.. أبرز نقاط الخلاف مع الحلو وتأكيد على وحدة الجيش
"القوة المشتركة" بالسودان تثير الجدل.. ما مكوناتها ومهامها؟

 توحيد الجيش

وبحسب قيادي في قوى "الحرية والتغيير"، إحدى المكونات الرئيسية في السودان، فإن ملف الأمن وتوحيد الجيش تصدر النقاشات التي أجراها حمدوك مع القوى السياسية خلال الساعات الماضية.

وتعتبر معضلة توحيد الجيش السوداني من أبرز اهتمامات الشارع السوداني في الوقت الحالي، وعلى الرغم من تأكيد خالد عمر وزير شئون الرئاسة والناطق باسم الوفد الحكومي المشارك في مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، بأن مسألة توحيد الجيش ودمج قوات الدعم السريع أمر محسوم ومتفق عليه.

لكن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" قال إن قوات التدخل السريع التي يشرف عليها لن تدمج في الجيش، الأمر الذي لم تقابله كثير من الأوساط السودانية بالترحيب.

وكان "حميدتي" أعلن في وقت سابق تشكيل قوة مشتركة لحفظ الأمن في الخرطوم والمناطق السودانية الأخرى التي تشهد نزاعات، لمواجهة حالة الفلتان الأمني، وفقا لاتفاق جوبا، لكن الاتفاق نص فقط على مناطق النزاع فقط، مما يعني أن هناك غاية سياسة وراء الأمر، وفق مراقبين.

يرى المحلل والكاتب الصحفي، طه النعمان، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" أن أي مبادرات أو جهود لا تفضي إلى صيغة مقبولة لتوحيد الجيش تحت قيادة وطنية واحدة ستواجه بالفشل، معتبرا أن تعدد الجيوش هو الخطر الأكبر لأمن واستقرار البلاد في الوقت الحالي.

وأضاف أن حمدوك وباعتباره رأسا للسلطة المدنية لن يستطيع فعل الكثير بشأن مسالة توحيد الجيش، نظرا للعيوب الكبيرة التي احتوتها الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية الحالية، خاصة أنها جردت الشق المدني من الكثير من الصلاحيات.

خلافات القوى السياسية

ولا تقتصر الأزمة على الجانب العسكري والأمني فحسب، فقد تزايدت الخلافات بين قوى الاحتجاجات، مما أدى إلى انقسامات واستقطابات حادة شملت قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين واثرت بشكل مباشر على الشارع السوداني.

وأقرت أمينة محمود الشين المتحدث الرسمي باسم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بوجود خلافات في وجهات النظر داخل التحالف الذي يضم أحزابا وقوى سياسية.

وقالت الشين لموقع "سكاي نيوز عربية" إن المجلس المركزي يجري اجتماعات ومشاورات موسعة للتوصل إلى حلول توافقية تضمن إعادة هيكلة التحالف وتعزيز وحدته وفاعليته.

وكانت مجموعة انفصالية في التحالف سمت نفسها "اللجنة الفنية لإصلاح الحرية والتغيير" قد عقدت اجتماعات منفصلة عن المجلس المركزي، معلنة شروعها في تشكيل لجان متخصصة لوضع أوراق لعقد مؤتمر تأسيسي.

لكن الشين أكدت أن المجلس المركزي لقوى الحربة والتغيير هو المخول بأي عملية إعادة هيكلة، مؤكدة أنه يعمل على تحقيق ذلك.

وحتى تجمع المهنيين السودانيين يواجه أيضا انقسامات، ويقول وليد علي الناطق الرسمي باسم التجمع، إن جوهر الخلاف يكمن في ان هناك تيار يرى أن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، وهو ما يتطلب ضرورة حراستها عبر الشارع، فيما رأى التيار الآخر أنه يمكن تحقيق أهداف الثورة عبر الانخراط في العمل مع الجهاز الإداري للحكومة.

ونفى وليد وجود أي اتصالات معهم من جانب حمدوك خلال الأيام الماضية، لكنه قال لموقع "سكاي نيوز عربية" إنهم منفتحون نحو أي مبادرة حقيقية لجمع الصف على أساس التمسك بتحقيق اهداف الثورة كاملة وضمان حراستها بالشارع.

تفكيك نظام الإخوان

شملت المبادرة تعزيز جهود تفكيك بنية وفساد نظام الإخوان الذي حكم السودان تحت مظلة "المؤتمر الوطني" الذي كان يقوده البشير.

وفقا لمصادر متطابقة فإن هنالك اتجاه قوي داخل حكومة حمدوك لتعزيز بنية لجنة تفكيك نظام الإخوان التي تشكلت بقرار من الحكومة في العام 2019.

وتواجه اللجنة كما هائلا من الملفات في ظل عمليات الفساد المهولة التي ارتكبها الإخوان خلال الاعوام الثلاثين التي سبقت الإطاحة بهم.

إصلاح العدالة

شكل إصلاح المنظومة الامنية والعدلية عنصرا مهما في محاور مبادرة حمدوك، نظرا لأن الحكومة الانتفالية تواجه صعوبات بالغة وغضب شعبي عارم حيال أداء القضاء، خصوصا فيما يتعلق بسير التحقيقات في قضية فض الاعتصام عام 2019، التي راح ضحيتها العشرات.

وتسود الشارع السوداني حالة من الاحباط بسبب تاخر نتائج التحقيقات في جرائم النظام السابق إضافة إلى جريمة فض الاعتصام.

واعتبر العديد من السودانيين أن التباطؤ في إصدار نتائج التحقيق يشكل جزءا من الخلل الكبير في ملف العدالة الذي يرى البعض انه اضعف حلقات ثورة ديسمبر.

وخلال الفترة الأخيرة شهدت العديد من مناطق الخرطوم ومدن أخرى حالة من الفوضى العارمة التي يقول الشباب المشاركين في الاحتجاجات إنها تاتي ضمن عمل ممنهج لضرب سلمية الثورة السودانية التي كانت السلاح الفاعل في إزاحة نظام "الإخوان".