مع شروق شمس يوم الأحد على شاطيء النخيل في محافظة الإسكندرية بمصر، قفز الغواص الثلاثيني "محمد القرموطي" داخل البحر  للبحث عن مزيد من  الغرقى الذين اختفوا في المياه يوم الجمعة الفائت، رغم منع مجلس الوزراء المصري استخدام الشواطئ العامة.

دامت جهود "القرموطي" لنحو ساعة، قبل أن يعثر على جثمان "أيمن غريب" (17 عاما)، على بُعد كيلومترين من الشاطئ الواقع بمنطقة العجمي، حتى تمكن من الإمساك بجسد الغريق ليسلمه إلى أسرته والجهات المختصة.

ويعد مغادرة الجميع، بقى الغواص المتطوع رفقة مجموعة من زملائه على الشاطئ ربما يعثرون على ضحية أخرى.

يقول القرموطي بينما يُنظف عِدة الغوص، في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية: "وعدنا الأهالي بالبقاء حتى العثور على أخر غريق وهو لطفل يبلغ من العمر 14 عاما ويسمى شادي".

وكان عدد من المصيفين نزلوا إلى شاطئ النخيل، الجمعة الماضية في الساعة الخامسة و20 دقيقة صباحا، رغم إغلاقه ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس "كورونا" المستجد.

صورة بالقمر الصناعي لشاطئ النخيل

محاولة إنقاذ تحولت إلى مأساة

وبحسب تصريحات رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية، اللواء جمال رشاد، لموقع سكاي نيوز عربية،  فقد تسببت محاولات إنقاذ طفل من الغرق في وفاة 10 آخرين، مؤكدا أنهم تواجدوا بالشاطيء فجرًا، لتفادي حملات المحافظة لمنع نزول مياه هذا الشاطئ.

وأوضح رشاد أن "السباحة في هذا التوقيت بالغة الخطورة، لشدة الأمواج وعدم وجود خدمات إنقاذ، باعتبار الشواطيء مغلقة فضلًا عن انعدام الرؤية الجيدة".

محافظة الإسكندرية أغلقت في مارس الماضي 61 شاطئا، و43 آخرين تابعين لقرى الساحل الشمالي، وفق رشاد، غير أن المواطنين لجأوا إلى الشواطيء الصخرية غير المجهزة للاستحمام وأخرى لا تملك بوابات خاصة في منطقة العجمي.

وفي اليوم الأول لحادث الغرق، استلم الأهالي 7 جثامين، فيما استمرت عمليات البحث عن باقي الغرقى، وتوالت عمليات الإنقاذ حتى خروج "الغريب" الذي يقطن في منطقة أبو المطامير بمحافظة البحيرة.

أخبار ذات صلة

مصر.. السلطات تغلق "شاطئ الموت" وتستدعي مسؤولين
مأساة إنسانية في مصر.. "شاطئ الموت" يخطف 11 شخصا

سر الضحية رقم 10

خلال إتمام الإجراءات الخاصة بتسلم أسرة "الغريب" لجثمانه والحصول على تصريحات الدفن، كان الحديث يدور حول سر ذهاب الشاب إلى الإسكندرية التي تبعد عن منزله نحو 54 كيلومترا.

يوضح علي محمد، صديق "الغريب" لموقع سكاي نيوز عربية، أن الشاب الصغير خرج رفقة عدد من جيرانه إلى الإسكندرية في نزهة لاستخدام الطائرات الورقية على الشواطيء.

وانتشرت ظاهرة استخدام الطائرات الورقية على طول شواطئ الإسكندرية في الآونة الأخيرة، تزامنا مع إجراءات حظر التجول.

وفي 8 يوليو الماضي، حذرت المحافظة من الأمر، وأمرت بتوقيع غرامات مالية تصل لـ 1000 جنيه على المخالفين.

وعندما عرف "محمد" باختفاء صديقه داخل المياه، انطلق إلى الإسكندرية مع أسرة المتوفى، مُضيفًا: "علمنا بنزوله عند رؤيته لعدد من المصيفين داخل المياه، اشتاق للسباحة لكن سرعان ما ابتلعه البحر".

شاطئ النخيل المطل على البحر المتوسط حيث توفي 11 شخصا غرقا

منذ تلقى بلاغات عن الواقعة، جرت جهود عديدة من قِبل قوات الإنقاذ النهري التابعة لوزارة الداخلية المصرية، والقوات البحرية، بجانب مجموعة من محبي رياضة الغوص من أصحاب الخبرة في مجال الإنقاذ، بحسب رشاد.

وبين عشرات الغواصين، يقف الغواص "إيهاب المالحي" الذي يعمل متطوعا في انتشال جثامين الغرقى منذ سنوات، ينظر بين حين وآخر إلى أمواج البحر، لعلها تهدأ حتى يتمكن من النزول للبحث عن الغريق الأخير.

منذ يومين عندما علم الرجل الأربعيني بالحادث، هرع إلى هناك لمساندة فرق الإنقاذ وزملائه من المتطوعين، محاولًا تمرير خبرته لهم عن هذا الشاطيء الذي كثيرا ما ابتلع سباحين.

يقول المالحي لموقع سكاي نيوز عربية: "أتعجب من نزول البعض إلى البحر أثناء وجود رياح وأمواج هائجة"، مؤكدًا: "نحن كمحترفين، لا يمكننا الغوص في تلك الأجواء".

واقعة لا تنسى

لدى "المالحي" خبرة في التعامل مع أحداث متشابهة، فقد سبق وأن انتشل عشرات الغرقى من شواطئ مختلفة بمحافظة الإسكندرية من بينها "النخيل"، التي جرت فيها واقعة عام 2016 لم ينساها قط.

ويُشير المالحي لتلك التجربة: "نزل شاب يسمى عبدالرحمن ضرغام للعوم فسحبته المياه إلى الداخل، ظل مختفيًا لمدة 18 يومًا، لم أستسلم قط، كنت أغطس يوميًا للبحث عنه حتى عثرت عليه في اليوم الأخير".

استنفار حكومي

وخلال زيارة ميدانية بالأمس لمحافظ الإسكندرية اللواء محمدالشريف، قدم تعازيه لأهالي الغرقى، وطالب المصيفين من كافة المحافظات بضرورة الالتزام بالتعليمات، حفاظا على أرواح الجميع.

وأكد الشريف أنه لن يسمح مرة أخرى بتكرار تلك الوقائع، موجهًا تعليماته لجمعية 6  أكتوبر المالكة للشاطئ منذ عام 1993، والإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية بسرعة اتخاذ اللازم.

وأمرت النيابة العامة المصرية، بإغلاق شاطئ النخيل لأجل غير مسمى، فيما يعتقد الغواص المتطوع "المالحي" أنه يمكن حل تلك المشكلة بملء الفراغات بين الحواجز الصخرية الـ 7 الموجودة على طول الشاطيء.

وأوضح المالحي: "هناك 60 مترا بين كل حاجز وآخر.. في حالة سدهم، سيساهم ذلك في إنقاذ الغرقى والحفاظ على أرواح الكثير من السباحين والمصيفين".

أما عن عمليات تأمين الشواطئ العامة من تدفق المصيفين المخالفين للقانون، فقد أشار رئيس الإدارة المركزية إلى أن سواحل الإسكندرية تمتد لـ 65 كيلو متر، فيما تبذل المحافظة مجهودا كبيرا لا ينقصه سوى وعي الناس.

وأكد رشاد لموقع سكاي نيوز عربية، إنه جاري تشييد سور يمتد لنحو 1700 متر بطول شاطئ النخيل، لمنع تواجد المواطنين مرة أخرى بالمكان، حرصا على سلامتهم.

وبعد انقضاء أكثر من ثلاثة أيام في معركة خاضها رجال الإنقاذ في مواجهة الأمواج العاتية، عاد 10 جثامين للضحايا إلى ذويهم، بينما لا يزال جثمان شادي في قبضة الأمواج.

ويقول القرموطي:"لن نستسلم وسنعود في الصباح مجددا للبحث، حتى ننتشل جثمان شادي".