يري دبلوماسيون، أن مصر تتمهل بشأن شروط قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لمساعدتها في مواجهة أزمة اقتصادية متفاقمة، وإن من المستبعد إبرام اتفاق في أثناء وجود فريق من الصندوق في القاهرة.

وتغادر بعثة الصندوق، الثلاثاء، بعد محادثات لأسبوعين تقريبا، وقال الدبلوماسيون إن المفاوضات قد تتواصل على هامش الاجتماعات الوزارية لصندوق النقد في واشنطن هذا الأسبوع.

وأشار دبلوماسي غربي إلى أنه بعد الحصول على خمسة مليارات دولار من قطر وليبيا الأسبوع الماضي، لم يعد إتمام المفاوضات مع صندوق النقد أمرا ملحا بالنسبة لمصر.

وأضاف: "هكذا بدا تطور الأمور منذ الإعلانين الليبي والقطري. يمكنك أن تقول إنهم توصلوا إلى هذا الاستنتاج (..) أنهم توصلوا إلى حل للمدى القصير ما يعني أنهم لم يعودوا تحت رحمة الصندوق".

وقد يسهم برنامج الصندوق في استقرار اقتصاد مصر خلال عملية التحول الديمقراطي الصعبة إثر الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وهو ما يفتح الباب أمام مساعدات واستثمارات تصل إلى 15 مليار دولار من شأنها تحسين مناخ الاستثمار في البلاد.

غير أن دبلوماسيين وساسة يقولون إن الرئيس المصري محمد مرسي لم يقر بعد شروطا من بينها زيادات ضريبية وخفض الدعم، ما كان سببا في وقف تنفيذ اتفاق سابق مع الصندوق في ديسمبر الماضي بعد أسبوعين من الموافقة عليه من حيث المبدأ.

وقال أحد أعضاء حزب النور السلفي، عبد الله بدران، عقب اجتماع مع وفد صندوق النقد الدولي إن بعثة الصندوق أوضحت أنها مازالت تنتظر أن تطرح الحكومة خريطة طريق لإصلاح النظام الاقتصادي.

وأحجم متحدث باسم مكتب الرئيس عن التعليق بشأن ما إذا كان مرسي قد أعطى الضوء الأخضر لاتفاق.

تدهور الاقتصاد

وشهد الاقتصاد المصري تدهورا كبيرا وتضررت السياحة والاستثمار جراء القلاقل السياسية في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان والتي يعيش أكثر من 40% من سكانها البالغ عددهم 84 مليون نسمة على أقل من دولارين يوميا.

وزاد العجز المتوقع في الموازنة لنحو 11% في السنة المالية المنتهية في يونيو وتقلص احتياطي النقد الأجنبي، الذي لم يعد يكفي لتغطية واردات ثلاثة أشهر في حين تعاني البلاد من نقص الوقود.

ويجري وفد الصندوق محادثات في القاهرة منذ 4 أبريل بشأن برنامج اقتصادي معدل يشمل إصلاحا تدريجيا لدعم الوقود، الذي يلتهم 21% من الميزانية أو نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي وفرض ضريبة مبيعات على عدد أقل من السلع مما جرى الاتفاق عليه في فترة سابقة.

وصرح كل من وزير المالية ومحافظ البنك المركزي لوسائل إعلام محلية بأن المحادثات تسير على نحو طيب لكن الدبلوماسيين قالوا إن الصندوق لم يحصل على إجابات واضحة بشأن بعض المسائل.

وقال رئيس معهد سيجنت الاقتصادي المتخصص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أنجوس بلير: "يريد صندوق النقد والمجتمع الدولي تقديم المساعدة لكن هناك شعور حقيقي بخيبة الأمل لأن مصر لا تبذل ما يكفي لمساعدة نفسها (..) أتوقع أن هناك إحباطا كبيرا".

زيادة الضرائب

ويقول دبلوماسيون إن جماعة الإخوان المسلمين تخشى من أخذ إجراءات مرفوضة شعبيا مثل زيادة الضرائب وأسعار الوقود قبل انتخابات برلمانية ينتظر أن تبدأ في أكتوبر القادم.

غير أن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة التي ينتمي لها رئيس البلاد، يعمل على إقرار مجلس الشوري ضرائب جديدة ترتبط على ما يبدو باتفاق الصندوق، إذ يتهم ساسة معارضون الحكومة بمحاولة فرضها دون طرحها على طاولة الحوار.

كان وزير التخطيط، أشرف العربي، قد حذر المصريين الأسبوع الماضي من أن الحكومة ستضطر لإجراءات ترشيدية أكبر إذا لم يتم التوصل لاتفاق مع الصندوق.

وتخشى الحكومة من حدوث اضطرابات نتيجة انقطاع الكهرباء خلال فصل الصيف الحار فضلا عن نقص الوقود والمواد الغذائية.

اجتماع واشنطن

وقال مسؤولون إن وفدا مصريا يضم محافظ البنك المركزي ووزير التخطيط سيتوجه إلى واشنطن الأسبوع الجاري لحضور اجتماعات الربيع السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي وقد يجري مزيدا من المحادثات بشأن اتفاق القرض.

وعقدت بعثة الصندوق برئاسة أندرياس موير اجتماعات مع مسؤولين حكوميين وساسة معارضين في الأيام الماضية من أجل حشد تأييد واسع لتنفيذ إصلاحات الصندوق.

وقال ساسة شاركوا في الاجتماعات إن ثمة قبولا واسعا للحاجة لقرض الصندوق، لكن الاستعداد أقل لتقبل حتى الشروط الميسرة نسبيا المرتبطة به.

أعباء على الفقراء

وأوضح بدران زعيم الكتلة البرلمانية لحزب النور أنه استمع لرأي الصندوق وأنه أصبح واضحا أنه يطلب إصلاحات للنظام الضريبي ويرى ضرورة تعديل نظام الدعم، مضيفا أن حزبه يرى أن في ذلك أعباء إضافية على الفقراء.

من جانبه أكد زعيم التيار الشعبي، حمدين صباحي، أن حركته ستؤيد أي قرض غير مشروط يدعم الاقتصاد المصري، وطالب بعدم تحميل الفقراء والمزارعين والعمال والطبقة المتوسطة أي أعباء إضافية ورفض أن يملي الصندوق على الحكومة كيفية إنفاق الأموال.

وقال صباحي الذي احتل المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "إن التيار الشعبي لن يوافق على أي قرض يتضمن شروطا تشمل رفع الدعم على السلع الأساسية".

حرص على دعم مصر

وأوضح الدبلوماسيون أن الصندوق خفف الشروط مقارنة ببرامج إصلاح أخرى ويرجع ذلك جزئيا إلى حرص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكبر مساهمي الصندوق على دعم مصر.

وقال دبلوماسي بارز "ثمة إحساس بأن مصر أهم من أن تنهار. المشكلة أن المصريين يعلمون ذلك ويعتقدون أنه يمكنهم استغلال الأمر لتفادي فرض شروط".

وتظهر دراسات البنك الدولي وصندوق النقد أن الأثرياء هم الأكثر استفادة من دعم الوقود في مصر وليس الفقراء.

وقالت كارولين فروند كبيرة اقتصاديي البنك الدولي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "توضح التقديرات أن 20% هم الأكثر ثراء في مصر يحصلون على أكثر من نصف المبالغ التي تنفق على دعم الوقود".

وربما يفسر ذلك صعوبة إصلاح الدعم، إذ تحرص مجموعات المصالح القوية على حماية مكتسباتها.