إنما تختار السماء الأخيار منا، فلم يأت ثاني أيام شهر رمضان الكريم إلا وخبر وفاة الأخ والزميل والصديق علي إبراهيم نائب رئيس تحرير الشرق الأوسط يغيم على خاتمة نهاره.

علي إبراهيم، نموذج من آخر جيل من الصحفيين المصريين المهنيين حقا، ليسوا "إعلاميين" كما يطلق الآن على كل من "هب ودب" بل كان صحفيا حقيقيا برزت مهاراته في كل أماكن عمله من القاهرة إلى دبي إلى لندن.

كانت "الشرق الأوسط" محطته الأخيرة، وأعطاها من خبرته ومهارته كل ما يمكنه حتى منذ كادت أن تقعده أزمة صحية العام الماضي نجا منها بأعجوبة.

قبل أسابيع قليلة التقيته في الصحيفة وهو على مقعده المتحرك الذي ألزمته به أزمة العام الماضي.

تحدث علي عن الأخبار والشؤون الجارية أكثر من حديثه عن أزمة صحية جديدة كان ينتظر قرار الأطباء فيها.

بعد أيام داهمته الأزمة ثانية، ودخل المستشفى للمرة الأخيرة.

كان علي، لمن يعرفه حقا، مثالا على أن الصحافة في مصر كانت يوما ما مهنة رفيعة، وأن وضعها الحالي إنما يعكس تدهورا عميقا في كل جوانب البلاد وربما العالم.

إنه من جيل لم يكتب المقال إلا بعد أن راكم سنوات من الخبرة الصحفية والمعرفة في مجال عمله والشأن العام تؤهله لأن يضيف شيئا إذا كتب رأيا.

بقدر ما كان علي محبا للحياة، لم يكن يوفر من صحته في عمله. فلم أعرف له يوم إجازة، وفي لقاءاته مع الأصدقاء والأحبة، لم يكن العمل يغيب عن حديثه ونقاشه.

كان علي، رغم مهنيته وخبرته وعمق معرفته، خفيفا في علاقته بالدنيا والناس ـ بمعنى أنك تفتقده بشدة فتجده يتصل بك لكنه لا يثقل في علاقته ـ كانت إنسانية خالصة.

وكما كان رحل، خفيفا دون إثقال بعد ان أدى مهمته المهنية والإنسانية، بتربية أولاده حتى شقوا طريقهم في الحياة.

من أقواله الساخرة حين داهمته أزمة العام الماضي: "يبدو أن دفعتنا هذه مطلوبة" .. وهو تعبير يعرفه من تجند في الجيش في مصر، حيث دفعات الخريجين يتم تجنيدها في "دفعة".

رحمة الله عليك يا علي . وإلى لقاء.