مؤخرا قال وانغ كون، مبعوث الصين لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، متسائلا باحتجاج: "لِمَ تقول أميركا وبريطانيا أنه لا ينبغي لإيران إنتاج اليورانيوم بنسبة تخصيب تتجاوز 3.7%، بينما تحولان إلى أستراليا أطنانا من يورانيوم عيار التسليح بنسبة تخصيب 90%؟"

لقد تحقق أحد بنود اتفاق الربع قرن بين الصين وإيران، وهو المساومة الحمائية، والمقايضة الجيو-سياسية. هذه مقدمة لتشتيت مسرح العمليات الأميركي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، المنصب في تركيزه على الصين، لإعادة الولايات المتحدة على مضض إلى الشرق الأوسط الذي ترغب في التقليل من تركيزها عليه.

دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لها علاقات صداقة مع الصين، وجلها له علاقات مماثلة مع الولايات المتحدة، لكنها الآن في مرحلة مغايرة يختلف فيها صديقا المنطقة، ويدفع أحدهما بوكيله المستجد المشاكس كورقة مساومة على حدوده الجنوبية البحرية التي تبعد كثيرا عن ساحة صراعه، لكنه حسن التصرف السياسي، الذي يدعونا جميعا - فرادى وتكتلات - إلى استنفار جهودنا في حصر المصالح المشتركة ومقارناتها مع آخرين في صف أحد الغريمين الكبيرين أو ضده.

كان التخطيط سابقا ينصب على تحليل قوة وضعف الخصم من فئة الدولة الوطنية nation-state adversary أو مثيله من الجماعات دون الدول، للتعامل مع التهديدات الواردة من قبل أي منهما، أما الخطوة الحالية فتتطلب إحصاء وتحليل روابط الرعاية الصينية للدور الإيراني وتوظيفاته الراهنة والمتوقعة، إذ أن هذا النموذج الماثل أمامنا الآن هو عودة لتسخير الوكلاء بمزاجه ثنائي القطبية على الساحة الدولية، ويأتي بنبرة صارخة تذكر الولايات المتحدة بأن صلاحية الأحادية القطبية توشك على الانتهاء.

الأمر يستلزم فتح أرشيف استخدامات السوفييت سابقا لدول بعينها كأوراق مساومة، والاستخدام المضاد من قبل أميركا تلك الحقبة، ومسببات ومآلات التوظيف والتوظيف المضاد لهذه الدول، والنجاحات والإخفاقات التي جرتها تلك التجاذبات والمساومات، على القطبين في ذلك العصر، وعلى شعوب الدول المسخرة في الصراع.

مزيج وأنصبة الطاقة العالمية متأصلة في دول مجلس التعاون، وما يرجوه بايدن من تعاون السعودية معه في خفض أسعار النفط على المواطن الأميركي، تريد السعودية مقابله تداركا أميركيا لسياسات سابقة أخرت الحسم في اليمن، الذي إن اصطبغ كاملا باللون الإيراني فسيتبعه فورا اصطباغه باللون الصيني المناهض لأميركا، وتكون دول مجلس التعاون حينها غير ملامة إن صافحت يد الصين وقد طلت راحاتها بالصمغ القوي، مقابل تدبير الشؤون الإقليمية معها، بدل الحليف الأقدم الذي فرط بإهماله وحماقته في موطئ قدم لا يقدر بثمن.

استباقا للشكوك حول اتفاق الربع قرن مع إيران، قام وزير الخارجية الصيني وانغ يي بجولة خليجية لتطمين الأصدقاء، وأعلن عن مبادرة لحماية الشرق الأوسط، وكانت دول الخليج قد أبلغت الوزير حينها بأهمية إشراكها في المفاوضات، بخلاف استبعاد إدارة أوباما لها ضمن ما بات يعرف بمخطط الشرق الأوسط الجديد الذي لم يحتسبها على خارطته المأمولة. أما وقد فشل المخطط، فعلى الولايات المتحدة، في نسختها المترأسة ديموقراطيا، أن تتحمل كامل المسؤولية إذا ما تشكل شرق أوسط جديد، فيه توازن صيني، وسلام عربي-إسرائيلي، وإيران محجمة (مع مراعاة مصالح شعبها)، وتنمية متسارعة، وفيها ظل طفيف لنفوذ أميركي، تنافسه موانئ صينية على ضفتي الخليج.