قبل أيام قليلة كان لافتا ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن لدى خروجه من اجتماع مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين من أنه جرى التوصل لاتفاق بشأن خطة للإنفاق على البنية التحتية، حيث قال "أبرمنا اتفاقا"، وذلك بعد اجتماعه مع أعضاء ما تعرف بمجموعة 21 الساعين للتوصل لاتفاق بين الحزبين بشأن مشروع قانون للبنية التحتية.

فما هو قانون البنية التحتية؟ وكيف يراه الداخل الأميركي؟ ماهي مصادر تمويله؟ وماهو موقف الجمهوريين منه؟ وماذا بعد إبرام هذا الاتفاق الذي أعلنه بايدن؟

بالعودة إلى مطلع شهر أبريل الماضي، كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد ألقى خطابا خلال تواجده في مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأميركية، كشف فيه عن تفاصيل مرتبطة بخطته المُقترحة لتحسين البنية التحتية الأميركية والتحول إلى استخدام أدوات صديقة للبيئة بشكل أكبر.. وتبلغ تكلفة تلك الخطة نحو تريليوني دولار، وسيتم تطبيقها على مدى السنوات الثماني المقبلة.. وقال إنها ستتيح للولايات المتحدة "الفوز في المنافسة العالمية مع الصين"، لا سيما وأنها ستعمل على توفير "ملايين الوظائف بعوائد جيدة" للأميركيين.

على مدى أسابيع بعد خطابه ذاك، حاول الرئيس الأميركي جو بايدن إقناع الجمهوريين بخطته للبنية التحتية، لكن منافسيه السياسيين رفضوها حتى بعد خفض قيمتها، فالرئيس الأميركي بدأ عرضه بخطة لتطوير البنية التحتية تبلغ قيمتها 2.8 تريليون دولار، لكنه خفضها إلى 1.7 تريليون دولار من أجل استرضاء الجمهوريين إلا أن الجمهوريين أصروا على موقفهم ورفضوا تضمين الخطة ما لا يتعلق مباشرة بالبنى التحتية والمنشآت، كما عارضوا طريقة التمويل من خلال زيادة الضرائب على الشركات وأرادوا حصر البنى التحتية بتعريفها التقليدي من جسور وطرقات ومطارات.

خلال ما يمكنني أن أسميه بـ"مخاض الموافقة" على هذا القانون كانت التغطية في واشنطن تتقاطع بين المواقف الصحفية ومراكز الدراسات حيث أعلن البيت الأبيض صراحة تقديره لكل ما نشره مركز "اناليتكس" التابع لمؤسسة "موديز"، والذي قال إن "الإنفاق المقترح في الخطة على البنية التحتية كبير، لكنه يتوزع على العقد المقبل ويغطي كلفته، في جانب كبير، الضرائب الأعلى على الشركات. ورغم تلك الضرائب (الأعلى) على الشركات والعجز الأكبر في ميزانية الحكومة، تقدم الخطة دعماً كبيراً للنمو الاقتصادي طويل الأمد للبلاد".

وذكر التقرير أن الإنفاق التقليدي على البنية التحتية له، في المدى القصير تأثير تضاعفي بنسبة 1.5 في المئة، أي أن كل دولار يستثمر في البنية التحتية تقابله زيادة 1.50 سنت في الإنتاج المحلي الإجمالي. وإجمالاً، تتوقع موديز أن تتم ترجمة الخطة إلى زيادة بنسبة 3.8% في الإنتاج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024 مقارنة مع زيادة بنسبة 2.2% إذا لم تجر الموافقة على مشروع القانون. ويتوقع انخفاض البطالة بنسبة 3.5% بحلول نهاية 2024. وتتوقع موديز كذلك أنه بدلاً من إضافة 11.4 مليون وظيفة في ظل التوجهات الحالية، ستضيف الخطة 13.5 مليون وظيفة. وعلى مدار العقد المقبل ستضيف الخطة 18.9 مليون وظيفة مقارنةً بإضافة 16.3 مليون وظيفة بدونها.

أما عن الفوائد للأنشطة الاقتصادية الأميركية فقد ذكرت موديز أن الخطة "تقلص كلفة الأنشطة الاقتصادية وتحسن التنافسية والإنتاجية وتسمح للعمال بالإقامة قرب مكان العمل وتقلص وقت الانتقالات وتحسن مشاركة العمل وتقلص انبعاثات الكربون".

أما صحيفة الواشنطن بوست فقد اتهمت الخطة بأنها تفتقر إلى التفاصيل وقالت أن "خطة بايدن تقول إنها ستستخدم 400 مليار في توسيع إمكانية الحصول على الرعاية في المنازل بطريقة تدعم كذلك أجوراً جيدة لوظائف تقديم الرعاية، ...إنها لم تحدد بالضبط كيفية القيام بأي من هذا رغم أن الاستثمار الكبير قد يوسع العرض من خدمات الحصول على الرعاية ومن المحتمل أن يقلص الكلفة إجمالاً".

هذا الكلام حاول تقرير نشرته جامعة جورج تاون الرد عليه وقالت في التقرير أن "خطة البنية التحتية ستخلق أو تنقذ 15 مليون وظيفة على مدى عشر سنوات وستعزز نصيب وظائف البنية التحتية من 11% إلى 14% من إجمالي الوظائف في البلاد وتنعش مؤقتاً اقتصاد أصحاب الياقات الزرق و يخلق برنامج البنية التحتية ثمانية ملايين وظيفة للعمال الحاصلين على تعليم فني متوسط أو أقل من هذا، و4.8 مليون وظيفة للعمال الحاصلين على تعليم أعلى من التعليم الفني المتوسط لكن أقل من درجة البكالوريوس، و2.25 مليون وظيفة للحاصلين على درجة البكالوريوس وما فوقها".

خلال الساعات الماضية ارشدني احد اعضاء الكونجرس خلال نقاشي معه حول هذه الخطة إلى تقرير جديد صدر عن "معهد السياسة الضريبية والاقتصادية" يؤكد على ما حققته الشركات من مكاسب على مدار السنوات الأربع الماضية مع عدم دفع 55 شركة كبيرة الضريبة الاتحادية على دخلها. وجاء في تقرير المعهد: "الشركات التي تفادت الضرائب تمثل صناعات مختلفة وتمتعت مجتمعة بما يقرب من 40.5 مليار دولار من الدخل الأميركي السابق على الضرائب في عام 2020، وفقاً لتقريرها المالية السنوية. فالنصاب القانون للضرائب الاتحادية على أرباح الشركات يبلغ 21%. وكان يجب على الشركات الـ55 دفع 8.5 مليار دولار إجمالاً عن العام لو كانت دفعت النصاب القانوني على دخلها في عام 2020. وبدلاً من هذا حصلت على خصم ضريبي بقيمة 3.5 مليار".. وهذا الكلام يؤكد نقطة أساسية في مشروع القانون، وهي أن إنفاق مبلغ كبير سيؤدي إلى عائد اقتصادي خاصة للعمال أصحاب الياقات الزرق كما قلنا قبل قليل.

اليوم، أبرم اتفاق البنية التحتية عقده بايدن مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين لكن تواجه خطة البنية التحتية مزيداً من العقبات في الكونغرس إذ يخطط عديد من الجمهوريين المحافظين لمحاربة كامل الخطة

بالرغم من أنه لطالما اتفق المشرّعون في كلا الحزبين على أن احتياجات البنية التحتية في البلاد حاجة ماسَّة، لكن عدم قدرتهم، حتى الآن، على التوصل إلى تشريع نهائي لمعالجة القضية -مع مناقشتها إلى ما لا نهاية- أدى إلى ظهور نكتة طويلة الأمد في واشنطن مفادها أن كل أسبوع هو "أسبوع البنية التحتية".

وفي انتظار إقرار هذا الاتفاق في الكونجرس يعتقد الكثيرون، وأنا منهم، أن "الديمقراطيين" سينجحون في عرض البيانات أمام مجلس النواب لتظهر تلك البيانات أنهم متحيزون للطبقة العاملة وأن الجمهوريين سيحاولون عرقلة التقدم لإقرار الاتفاق في ضغط من بعض الشركات الكبرى الذي يشكل قانون (البنية التحتية) أضرارا بمصالحها.