استنتج وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال جولته الخليجية في السعودية والإمارات وقطر، ما كان يتوقعه بشأن الموقف من الشأن السوري. فأصغت العواصم الثلاث لمسعى الوزير الروسي لإعادة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية.

لكن الرجل سمع من مضيفيه، بنسخ مختلفة، فكما هو موقف واشنطن وأوروبا، يتعلق الأمر بتقدم عملية سياسية ذات مصداقية بين النظام والمعارضة، ولأن "قانون قيصر" بات فيصلا ومحددا لمستقبل علاقات العالم مع دمشق.

والحال أن موسكو تعرف تماما ما يعطل مسعاها لإنجاز حلّ سياسي يرضى عنه المجتمع الدولي. تعرف أن أداءها السياسي ما زال قاصراً عن توفير ما يمكن أن تقبل به العواصم لتسويق تسوية سورية مقبولة تتجاوز حصرية تدبير تعويم النظام الحالي.

ولئن وجد لافروف في الخليج آذانا صاغية وردودا أقل راديكالية، فإنه يدرك أن الخليج "استقال" منذ سنوات من أي انخراط في الدوامة السورية لصالح تفاهمات باراك أوباما وفلاديمير بوتن عام 2015، وأن طرق أبواب الجامعة العربية وجب أن يمر من خلال استعادة الرأي العربي في مستقبل سوريا.

بدا أن موسكو ارتجلت في الدوحة، استحداث منصة جديدة تنضم لثلاثية آستانا في السعي للاهتداء إلى التسوية المنشودة. وبدا من خلال ما صدر عن وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر أن الأمر جاء متعجلاً يوحي للعالم بأن موسكو ما زالت ممسكة بزمام أمور ما يمكن أن يحاك لسوريا، سواء في ثلاثية آستانا المترنحة أو في ثلاثية الدوحة المستحدثة.

تعول موسكو على المصالحة الخليجية التي أنتجتها القمة الخليجية الأخيرة كما تعتمد على تطور علاقات الدوحة والقاهرة. وتعول موسكو أيضا على ما ظهر عن تركيا، مؤخراً، من إشارات تدعو إلى تحسين علاقات أنقرة بمصر والسعودية والإمارات، وتراهن موسكو أيضا على يكون الثلاثي التشاوري الذي ظهر في الدوحة، بمثابة قاعدة تتوسع مساحاتها على نحو يجعل منها قوة فاعلة في التأثير على ثلاثية آستانا الروسية التركية الإيرانية.

بكلمة أوضح؛ تعتبر روسيا أن دخول العاملين العربي والتركي وتقارب رؤاهما في شأن مستقبل سوريا، سيوفر ضغوطا إضافية على رؤى وطموحات إيران في هذا البلد، وهي ضغوط تضاف إلى تلك التي تمارسها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون على طهران في مسألة مستقبل التفاوض حول البرنامج النووي كما الملفات الأخرى الرديفة.

صدرت عن عواصم الخليج التي زارها لافروف مواقف متكاملة في شأن مستقبل العلاقة مع النظام في سوريا.

الموقف الأول: إجماع على ضرورة عودة سوريا إلى حضن العرب وعلى وحدة وسيادة هذا البلد.

الموقف الثاني: تأكيد بأن الحل في سوريا سياسي وليس عسكريا، على أن يجري وفق توافق بين النظام والمعارضة.

الموقف الثالث: تذكير بأن الأسباب الذي أدت إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة.

والموقف الرابع؛ إقرار بأن "قانون قيصر" الأميركي يتصدر سلم العراقيل التي يجب على موسكو معالجتها لتسهيل أي تواصل سياسي خارجي مع نظام دمشق.

ورغم وجود حوافز لدى موسكو لتطوير علاقات روسيا السياسية والاقتصادية والعسكرية مع دول الخليج، غداة الأجواء التي عبرت عنها إدارة جو بايدن في واشنطن حول مسألة "ضبط" العلاقة مع الحلفاء في المنطقة، إلا أن الموضوع السوري بدا حيويا في محادثات لافروف في الخليج.

بيد أن الواضح في رسائل الخليجيين للافروف أن بلدان المنطقة، بما تملكه من تأثير على بقية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، ما زالت غير مقتنعة بأن النظام في سوريا قدم ما يمكنه أن يكون مؤهلا للعودة إلى البيت السياسي العربي الكبير. كما أنها لا ترى أي حوافز مغرية تجعلها تخرج عن الرؤى الأميركية الأوروبية التي ما برحت تكرر عدم الانخراط في شأن أي علاقة مع النظام السوري قبل البدء بانتقال سياسي.

ولئن لم تستخدم عواصم الخليج في بياناتها حول زيارة لافروف تعبير "الانتقال السياسي"، فذلك أن الأمر بات مفروغا منه كشرط لتطبيع العلاقات الدولية مع دمشق. وهو أمر تقر به موسكو نفسها سواء في تواصلها مع كافة أطراف النزاع في سوريا أو في رعايتها للجنة الدستورية.

والأرجح أن لافروف الذي يطرق أبواب الخليج ليضيف أوراقاً جديدة فيما يمكن أن يمارسه على دمشق طهران، حمل أيضا من العواصم الثلاث ما ينصح روسيا بتحديث ما تطرحه كحل للأزمة في سوريا بما يقنع العالم (لا سيما دول الأطلسي في ضفتيه) بأن إقراره بحصرية نفوذ روسيا داخل سوريا، يتطلب أن تكون موسكو على مستوى استمرار تلك "الوكالة" ومتانة الثقة بنجاعتها.

والحال أن موسكو تعتمد الإكثار من العناوين لتسويق تسويتها في سوريا، معوّلة على إيجاد أمر واقع واسع ومتعدد الأطراف بإمكانه أن يخفف من شروط واشنطن وأوروبا. لكن الأرجح أن الحل السوري من دون واشنطن و"قيصره" يبقى مستحيلا، وأن موسكو تعرف ذلك، لكنها باتت تتأبط ملف سوريا مناسبة لتوسيع حضورها وتمدد نفوذها في كل المنطقة.