شاركت هذا الأسبوع في ندوة نظمها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية عبر تطبيق زوم بعنوان "إنهاء الصراع في اليمن" كشفت إلى حد كبير كيف يستخدم "النشطاء" المؤسسات المانحة والأطراف الدولية مثل الاتحاد الأوروبي للتأثير أكثر من توفير المعونة الإنسانية للمواطنين اليمنيين العاديين الذي يعانون ويلات الحرب من جوع ومرض.

كل المتحدثين في الندوة من النساء، ولا بأس فقد صادفت الندوة اليوم التالي لليوم العالمي للمرأة. ولا شك أنه حين يتعلق الأمر بالأوضاع الانسانية تأتي المرأة في المقدمة باعتبارها عماد الأسرة. حتى مديرة الندوة، ايلي جيرنمايه نائب مدير برنامج الشرق الاوسط وشمال إفريقيا في في المجلس الأوروبي، والمشاركة معها من خارج اليمن، هليلينا غرونبرغ مديرة في شبكة المجتمع المدني الدولية، جعلا النقاش يكاد لا يخرج عن قضايا المرأة.

لو كان المرء يعرف من الدعوة للمشاركة أن موضوعها هو حديث نشطاء عن حقوق المرأة لكان اختياره مختلفا، لكن عنوان الدعوة الرئيسي عن إنهاء الصراع والفرعي "أصوات صناع السلام المحليين". لذا كانت النقطة التي أردت إثارتها، وتفادتها المنظمات والمشاركات من اليمن، هي التأثير السلبي لاستغلال أطراف سياسية للمساعدات الإنسانية لكسب شعبية وفرض تصورات على أرض الواقع.

ومع نهاية الندوة، كان واضحا أن النساء المشاركات من اليمن ليس فقط لا يعنيهم هذا الخطر ومدى أضراره بالجهود الخارجية لتوفير المساعدة لملايين المنيين العاديين، الذين يعانون في الداخل بل إنهم ربما يدركون هذه المخاطر جيدا ولا يريدون أن يؤدي كشفها إلى التأثير على علاقتهم بالجهات المانحة والداعمة وتحديدا الاتحاد الأوروبي.

خلاصة ما تحدثت عنه الناشطات من اليمن، مطالبة الجهات الدولية بالضغط على الحكومة والتحالف الداعم لها – مع إضافة الحوثيين من باب ذر الرماد في العيون – وطبعا مواصلة إمداد جمعياتهم بالدعم الخارجي و"تمكينهم" أكثر من لعب دور في أي تسوية. حتى المتحدثة من تعز المحاصرة من قبل ميليشيات الحوثي وبتواطؤ إخواني من حزب الإصلاح في البداية، لم تشر إلى أطراف الحصار أكثر من حرصها على الحديث عن "إنجازات" جمعيتها "طعام للإنسانية" ودعوة المجتمع الدولي لدعمها. ولم تكن السيدة منى لقمان من تعز مختلفة كثيرا عن راضية المتوكل ورشا جرهوم.

عندئذ أدركت أن لإثارة قضية الاستغلال السياسي للمعونات الإنسانية يضر بمصالح هؤلاء المتحدثات، ولأنهن ضمن الشبكة العالمية للمجتمع المدني فالاتحاد الأوروبي يفضل أن يصم أذنيه عن أي نواقص كي لا يوقف دعمه المباشر لهن.

ولم يكن ذلك القصد من إثارة النقطة التي أشرت إليها، إنما لأن ما سمعته من على الأرض وأنا استعد قبل المشاركة في الندوة أن الاستغلال السياسي للمعونات الإنسانية لا يقتصر على ميليشيات الحوثي فحسب. بل إن أخطر ما يجري في هذا السياق يتم من قبل جمعيات وهيئات "مجتمع مدني" مرتبطة بالإخوان وحزب الإصلاح في اليمن، حتى وإن لم تعلن ذلك صراحة. وأن ممارسات تلك الجمعيات والهيئات ليس فيها من الإنسانية أكثر من السياسة والفئوية.

فباعتبارها جماعات محلية تقوم بتوزيع تلك المساعدات القادمة من الخارج، أو تؤثر في طريقة توزيعها من قبل المنظمات الخيرية ومنظمات الأمم المتحدة، بالشكل الذي يخدم غرض آخر لا إنساني على الإطلاق. ذلك هو تعزيز لنفوذ وحشد المؤيدين والمتعاطفين من اليمنيين العاديين بما يمكن الإخوان من مكاسب أكبر في أي تسوية. وهذا بالضبط ما يجعل بعض الدول التحالف التي تقدم المساعدات الإنسانية والطبية لليمنيين، خاصة في مناطق الجنوب، تفضل أن تقوم بذلك مباشرة وبنفسها دون الاعتماد على تلك الجماعات والهيئات المحلية الإخوانية.

لكن بقية المساعدات التي تقدمها الجهات الدولية تستغل من قبل تلك لجماعات لأغراض سياسية، بعضها فج مباشر كما تفعل ميليشيا الحوثي، والآخر غير مباشر وخبيث كما تفعل الجمعيات المرتبطة بالإخوان والإصلاح.

ومع عدم قدرة الجهات الدولية المانحة على مباشرة توزيع تلك المعونات والمساعدات بنفسها على الأرض واضطرارها للاعتماد على الجماعات المحلية، تجد التردد من قبل بعض المانحين للتعهد بالمليارات التي ستنتهي كمورد دعم سياسي لجماعات مخربة ليس صالح اليمنيين العاديين ضمن أولوياتها.

ويبقى المواطن اليمني العادي المتضرر الأكبر من هذا الاستغلال السياسي للظرف الإنساني والذي يمارسه الحوثيون والإخوان أكثر من أي طرف آخر في الصراع في اليمن.

ذلك ما كت أتمنى أن يلقى عليه الضوء في الندوة لتأثيره السلبي على المواطن العادي المتضرر من الصراع والذي هو في النهاية المستهدف الرئيسي للدعم الخارجي. لكن لأني كنت وحدي تقريبا بين المشاركين الذي أراد إثارة تلك النقطة فتغاضى عنها المنظمون. إنما على الأقل وصلت المسألة تحديدا للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وربما تثار بشكل أوسع وجدي فيما بعد.