تشعل الجدلية الترامبية البايدنية الجدل والنقاش بين النخبة السياسية العربية، ويقوم بعضهم بالاصطفاف مع هذا أو مع ذاك، ويقاتل في سبيل إثبات قوة حجته.

فبعضنا يرى أن دونالد ترامب قدم الكثير للعرب وخاصة للخليج، ويراه البعض الآخر متعاليا عنصريا، لم يتوصل إلى أن يقدم أكثر مما قدمه غيره، فلم يعالج الملف الإيراني بقوة حتى لو انسحب من الاتفاق النووي، فضلا عن كونه نقل سفارته إلى القدس، لذا فما الداعي لتمجيد عصره.

انخرط الترامبيون العرب في صنع صورة زاهية عن ترامب وأمجاده وما فعله من إنجازات قدمت الكثير للمنطقة من قبيل اتفاقات السلام وتحجيم النفوذ الإيراني وإبعاد قاسم سليماني عن خارطة التأثير الإقليمي وبناء التوسع.

وفي الجانب الآخر من النهر، انطلق الفرع العربي من القبيلة البايدنية في التبشير بوقت أسود على بعض دول المنطقة ممن "يكرهها" الديمقراطيون لأسباب عدة، حقوقية، تاريخية، شخصية، أو لتعارضها مع برامجها لنشر الديمقراطية في العالم.

في حين يرى البعض أن لا الديمقراطيون ولا غيرهم لديهم القدرة على تغيير قواعد اللعبة السياسية في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول كالسعودية أو مصر، لذا فإن المبالغة في التبشير بأن بايدن سيشهر سيفه الحاد علينا غير صحيحة.

كل طرف من هذه الأطراف يبالغ في جزئية ويقترب من الصواب في جزئيات عديدة، لكن شغفه القبلي يجعله ينتصر دون روية ويرفع عقيرته دون وجاهة.

ولا أنسى تلك القبيلة التي ينشغل رجالها فقط بالترصد لغيرهم، فما يفعله الآخرون يجب مخالفته، وما يحتويه "الكود بوك" الخاص برجالها هو انظر إليهم وقل نقيض ما سيقولونه، وافعل عكس ما سيفعلونه، لذا قف مع بايدن لأن ترامب صديق أولئك. وادفع إعلامك للتلميح بأن المقبل شر مستطير على أولئك وأن المنقذ هو ذلك الذي لم يستطع إنقاذ نفسه من مقاطعة لولا غيره.

وفي الاصطفاف لهذا أو الانتصار لذاك، يغيب الخط الثالث العقلاني، ويختفي الحساب الرصين الذي يقرأ المتغيرات السياسية بروية تقتفي أثر المصلحة والتعاون، وتلتقط إمكانيات الحد الأدنى المشترك قبل التركيز على الخلافات.

لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة وقد تكون متقلبة، واجادة فن الممكن تقتضي أن نتقصى ما يمكن البناء عليه في كل زمن سياسي ومرحلة رئاسية، وإذا كانت الولايات المتحدة تحكم بالمؤسسات قبل الرؤساء، فإن الواجب يتطلب أن نبحث عن مصالحنا دون تهليل لهذا أو إدانة لذاك.

الطريق الثالث هو أن نقرأ وقائع غيرنا بلغتنا ولغته، لا أن نتطرف في أحد الاتجاهين. صحيح أن التباين كبير بين زمن ترامب ومرحلة بايدن، لكن الطريق الثالث يعني أن نبحث عن المفيد في كل مرحلة ونبني عليه.