يطيب لكثيرين المقارنة بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الأميركي دونالد ترامب. ورغم أن هناك كثيرا مما هو مشترك بين زعيمي البلدين الرئيسين على شاطئي الأطلسي، إلا أن الخواجة بوريس يتمتع بما لا يتوفر للرئيس الأميركي.

فبريطانيا، رغم أن دورها تراجع كثيرا، ما زالت تحمل بعضا من عبق "الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" فكما يقول المثل: (الورد مهما دبل يفضل عبيره فيه). وهذا يعطي رئيس الحكومة في لندن ميزة لا دخل لشخصيته فيها، خاصة مقارنة مع الولايات المتحدة وبحكم "العلاقة الخاصة" بين البلدين.

ولأن بريطانيا تختلف عن أميركا، فمنصب رئيس الحكومة يفرض على من يشغله بعض الأمور التي تختلف عما يتقيد به ساكن البيت الأبيض في واشنطن. ويدرك بوريس جونسون ذلك، ربما أكثر من غيره من رؤساء الحكومات السابقين الذين وان كانوا تمرسوا في السياسة البريطانية الداخلية إلا أنهم لم تكن لهم تجربة الخواجة بوريس.

"بريطانيا، رغم أن دورها تراجع كثيرا، ما زالت تحمل بعضا من عبق "الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" فكما يقول المثل: "الورد مهما دبل يفضل عبيره فيه""

 قد يبدو الرجل في طريقته الشعبوية أشبه بترامب، لكن الحقيقة أنه واسع المعرفة والاطلاع وعلى قدر من الثقافة يفوق سابقيه في المنصب. إنما أسلوبه هذا فله علاقة بكونه عمل صحفيا بالأساس، ولم يكن صحفيا عاديا بل جمع بين الصحافة والسياسة بمهارة استثنائية. فقط يذكر له انه فصل من عمله في صحيفة في بداية مسيرته المهنية لاكتشاف أنه "لفق" تقريرا ضمن تغطيته الأوروبية من بروكسيل.

بالنسبة للخواجة بوريس، كانت بروكسيل محطة مهمة في بداية مسيرته الصحفية والآن هي محطة رئيسية في مسيرته السياسية. فاز جونسون العام الماضي بزعامة حزب المحافظين خلفا لرئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي، وتولى رئاسة الوزراء ليجري انتخابات قبل نهاية العام ويحقق فوزا كاسحا وكل ذلك على خلفية الطلاق مع بروكسيل. فمنذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016 والخواجة بوريس متحمس للخروج "بريكزت" من أوروبا. وبالفعل، خرجت بريطانيا من أوروبا أول هذا العام مع فترة انتقالية حتى نهاية العام للتوصل لاتفاق على تفاصيل العلاقة بين الجزيرة والقارة.

شكك كثيرون، خاصة في الإعلام البريطاني، في قدرة الرجل على تنفيذ وعوده بشأن البريكزت لكنه فعل. وحصل من بروكسيل على ما لم يكن ممكنا لماي أو سلفها ديفيد كاميرون أن يحصلا عليه.

يواجه رئيس الوزراء البريطاني حاليا حملة بسبب قانون سنته حكومته لتنظيم السوق الداخلي في البلاد بين أقاليمها الأربعة: إنجلترا واسكوتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية.

"شكك كثيرون، خاصة في الإعلام البريطاني، في قدرة الرجل على تنفيذ وعوده بشأن البريكزت لكنه فعل. وحصل من بروكسيل على ما لم يكن ممكنا لماي أو سلفها ديفيد كاميرون أن يحصلا عليه."

 واعتبرت بعض بنود القانون، خاصة ما يتعلق بحركة السلع والخدمات بين أيرلندا الشمالية وبقية بريطانيا، انتهاكا لاتفاق الانسحاب الذي وقعه جونسون مع بروكسيل. ورغم أن القانون بعد منسقا مع سيادة بريطانيا على شؤونها الداخلية، إلا أن منتقديه يعترضون على سابقة انتهاك بريطانيا لاتفاقية دولية باعتبار ذلك سيفقد العالم الثقة في بريطانيا بشأن التزامتها بتعهداتها القانونية.

لكن جونسون ماض في إقرار القانون، بل وحصل على تأييد برلماني في القراءة الأولى له. فالبريطانيون، في الأغلب لا يهمهم إغضاب أوروبا بقدر ما يهمهم ألا يخسروا ثقة العالم في احترامهم للقانون. بالطبع أوروبا تهدد بمقاضاة بريطانيا وترى أن ذلك الخرق يهدد المفاوضات بشأن التوصل لاتفاق بين بروكسيل ولندن.

من ينتقدون الحكومة ينتهزون أي فرصة، فالآن لا تجد في الإعلام البريطاني سوى التحذيرات والمخاوف من بريكزت بدون اتفاق والسيناريوهات الكارثية المتوقعة على الاقتصاد البريطاني من هذا الاحتمال. لكن جونسون يؤكد أنه لا يريد بريكزت بدون اتفاق وأنه سيتوصل في النهاية لاتفاقية مع بروكسيل.

والأرجح أنه سيتمكن من ذلك، فأوروبا رغم كل شيء لا تتحمل خسارة "علاقة خاصة" مع بريطانيا حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. والخواجة بوريس من المهارة بحيث يحصل من أوروبا على ما يريد، ولعل كل ما يقوم به حاليا هو شكل من أشكال الاستفزاز المحسوب وأوراق ضغط للتوصل لاتفاق يضمن مصالح بريطانيا كما يراها هو وأنصار البريكزت المتشددين في حزب المحافظين.

"والخواجة بوريس من المهارة بحيث يحصل من أوروبا على ما يريد، ولعل كل ما يقوم به حاليا هو شكل من أشكال الاستفزاز المحسوب وأوراق ضغط للتوصل لاتفاق يضمن مصالح بريطانيا كما يراها هو وأنصار البريكزت المتشددين في حزب المحافظين"

 ذلك ما حدث مع كندا، حين كادت مفاوضات اتفاق التجارة الحرة بينها وبين الاتحاد الأوروبي وفي اللحظة الأخيرة تنازل الأوروبيون في المفاوضات وتم التوصل للاتفاق.

في النهاية، الفارق الأساسي بين بوريس جونسون ودونالد ترامب هو أن الرئيس الأميركي في فجاجته يتصرف على طبيعته، أما رئيس الوزراء البريطاني فهو "يمثل" بينما يدرك بذكاء ما يسعى لتحقيقه.