كما كان واضحاً ومتوقعاً فإن تحريك الإمارات العربية المتحدة للمياه الراكدة وإعادتها إحياء جهود التسوية السلمية في المنطقة عبر الإعلان مؤخراً عن اتفاق السلام بينها وبين إسرائيل والذي وقع رسمياً اليوم في العاصمة الأميركية واشنطن سيكون مقدمة تؤذن بكر السبحة وتوالي الاتفاقات وإقامة العلاقات بين مختلف الدول العربية وإسرائيل.

هذا الاتفاق سيطوي إلى حد كبير صفحة سوداء من سيادة أجواء التنابذ والعنف والتشنج التي خيمت على الشرق الأوسط لعقود على خلفية الصراع العربي - الإسرائيلي خاصة.

وهنا فإن إعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين البحرين وإسرائيل بعيد الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي واللذين سيوقعان معاً في مراسيم واحدة في البيت الأبيض يشكل مجرد توطئة وستتلوها لا ريب اتفاقات مماثلة قادمة كما سلفت الإشارة بما يعزز فرص الانفراج والاستقرار والتكامل والتعاون الإقليميين وكبح جماح نزعات التطرف والكراهية التي لطالما أثقلت كاهل هذا الجزء من العالم وحرمت بلدانه وشعوبه من فرص التنمية والسلام والنهضة عبر الانغماس في وحول الحروب العبثية الخاسرة وخطابات الحقد والبغض وأبلسة العالم كل العالم وتحميله وزر التخلف والمراوحة في المكان وعدم مواكبة العصر والتقدم .

إنها لحظة السلام التاريخية التي سيسجل لأبوظبي شرف تدشينها وريادتها فقد آن الآوان للخروج من دوامات النار والدم والاستبداد والإرهاب وتحول القضية الفلسطينية إلى مادة للاستهلاك والتسويغ وفزاعة لطمس القضايا الوجودية والحياتية والتنموية الناظمة لحيوات الناس ومستقبلهم على امتداد العالم العربي تحت يافطة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والأولوية للقضايا المركزية والصراع مع العدو  وحرب الوجود لا الحدود الخ الأسطوانة المهترئة إياها .

والواقع أن المعركة الحقيقية هي بداهة معركة صناعة السلام وترسيخه والتنمية المستدامة وبناء مجتمعات واقتصادات المعرفة والرفاه وغرس وتعميم قيم التسامح والسعادة والإبداع وبناء الإنسان على أنقاض نمط الدول الفاشلة الرازحة تحت نير العسكرة والاستبداد وسط فضاء من اللامعنى واللاجدوى الأمر الذي من حق دول الخليج مثلاً كالإمارات العربية المتحدة القطع معه وعدم الرضوخ له ما سينعكس إيجاباً على بقية دول المنطقة العربية وغير العربية لجهة تعرية محاور المقاومة والممانعة الكلامية وعزلها .
فمن المحال ومن غير العقلاني ولا المنطقي التعاطي ونحن في الألفية الثالثة مع إسرائيل كواقع وكدولة شرق أوسطية متطورة ومتقدمة عسكرياً وإقتصادياً ومعرفياً وبنفوذها الدولي ولوبياتها الإخطبوطية المنتشرة في عواصم القرار الدولية وفق عقلية سنرميهم في البحر المثيرة للسخرية بقدر الأسى.

هي فرصة ذهبية والحال هذه لانتشال مجتمعاتنا وبلداننا من فخ اجترار  منظومات وطرائق وعي بليدة لطالما خيمت بظلالها على هذه المنطقة كابحة عجلة التطور الطبيعي لمجتمعاتها وشعوبها والاجتماعات الإنسانية كافة التي قطعت مع الماضوية والشعاراتية والاستبداد متطلعة نحو المستقبل والتفاعل مع المحيط والعالم بإيجابية وودية وتكاملية تشاركية.