أضحت تركيا الجديدة المتدثرة في عباءة سلطانية عثمانية في الحقبة الأخيرة، الشاهد، والحادث، والشاغل في كافة وسائل الإعلام.

وصارت مشتركا كئيبا يجثم على صدور الكافة من خلال الأخبار التي تبثها وسائل الأعلام المختلفة عن التطورات في مناطق جغرافية ليست بينها مُشترك إلا التوغل التركي، ووطئ الأقدام التركية في بلدان المشرق المُصاب بالجائحة العثمانية منذ نيفٍ وخمسة قرون، والمكلوم الآن بالنائبة التركية التي تستبيح سيادته، وتعبث في اقاليمه، وتنتفع انتفاعا رخيصا بثرواته، وتتحكم في مقدراته في قطر وسورية والعراق وليبيا والصومال.

استغل السلطان الخبيث استغاثة الأمير في قطر، والمُنصّب في ليبيا، كي يستبيح المحفوظ للدول من سيادة وينتفع ما لها من أصول وثروات، فوقّع مع البلدين اتفاقات عديدة أقل ما نعتها الثقات من الشرّاح بالمعاهدات غير المتكافئة، والأخيرة كانت تعقدها الدول الاستعمارية مع مستعمراتها التي كانت تربطها بها علاقات نتاج هي العلاقات غير المتكافئة سواء كانت علاقات الوصاية أو الحماية أو الإدارة أو الانتداب أو التبعية والأخيرة كانت ما يربط السلطنة العثمانية بولاياتها العربية التابعة لها من المشرق العربي حتى الجزائر في أقصى المغرب العربي الكبير.

انتفع السلطان الثعلب بعديد من المزايا التي تتمتع بها الدولة المسلمة الوحيدة في حلف الناتو والتي يأتي في الصدارة منها الموقع الجيوسياسي الذي تتمتع به تركيا دون سائر دول الناتو، حيث تتماس حدودها مع مكامن الثروات والأخطار والأغوار في المشرق العربي، فلم يرفض السلطان الجائزة التي منحتها لها الجغرافية وأكدتها منظمة شمال الأطلسي "الناتو"، فعاث في البحار فسادا وأحال الأخضر واليابس في الأقطار رمادا.

استغل السلطان الماكر الخاصرة الضعيفة في شرق البحر المتوسط "قبرص"، رغما أن تركيا ومعها اليونان وبريطانيا تعاهدوا دوليا عام 1960 في اتفاقية ضمان هذا البلد الصغير، واستغل أيضا الوليد السِفاح للعدوان العسكري الغاشم التركي عام 1974 علي الجزيرة، فعقد مع "قبرص التركية" اتفاقيات بليل، وتحالف معها تحالفات الأسد مع الفريسة، ورَوّج للعالم أنه يبحث ويستكشف وينقب وينتفع في مياه دولة ذات سيادة هي قبرص الشمالية التي وصمها الكافة إلا السلطان بالجيب الانفصالي غير الشرعي.

بالرغم أن ذلك الجيب الانفصالي "قبرص التركية" يثقل كاهل الاقتصاد التركي المتهالك بفعل تدخلاته العسكرية السافرة في دول الإقليم، لكن السلطان لا يستطيع أن ينسحب من موطئ القدم العثماني وخزانته المرتقبة البترولية والغازية، فصار الباب العالي في اسطنبول يتولى دعم العويل الشمالي في قبرص ماليا واقتصاديا وكهربائيا ومائيا.

رفضت مصر واليونان وقبرص واسرائيل الإذعان لشروط السلطان فيما يتعلق بتعيين الحدود البحرية مع تركيا، ويدرك المتابعون أن المواقف الملتبسة لتركيا التوسعية في البحر المتوسط تحديدا لن تفضي لثمار طيبة، فبعد أن عينت تركيا حدودها في البحر الأسود مع الاتحاد السوفيتي السابق وبلغاريا وجورجيا بمقتضي القانون الدولي للبحار وفي الصدارة من ذلك القانون اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982،لكن تراجعت تركيا عن المبادئ والقواعد التي ارتضتها في البحر الأسود لترفضها في البحر المتوسط بزعم أن ذلك البحر له نظام خاص به.

دأبت تركيا في الشهرين الأخيرين على ترسيخ سياستها التوسعية في البحر المتوسط فقامت بإصدار تراخيص للبحث والاستكشاف لسفنها التي ترافقها البوارج الحربية في المياه الاقتصادية الخالصة والجرف القاري لكل من اليونان وقبرص، ونفّذت بالفعل أعمال البحث والاستكشاف في المياه الاقتصادية لقبرص، وتراجعت عن التنفيذ في المناطق اليونانية التي سبقت أن أعلنت كافة السفن في البحر المتوسط بعدم الاقتراب من هذه المناطق وفقا لما يعرف بالإنذار البحري الامني NAVTEX.

تفرض الدول والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي عقوبات اقتصادية لإكراه، أو ردع، أو معاقبة، أو فضح دول أو كيانات أو أشخاص تهدد مصالحها، أو تخرق قواعد السلوك الدولي، وقد لجأت العديد من الدول يأتي في صدارتها الولايات المتحدة الأميركية ومجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة إلى فرض العقوبات الاقتصادية بغرض تحقيق عدد من الأهداف الأمنية والسياسية أيضا بما في ذلك مكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحل الصراعات.

لجأ الاتحاد الأوربي في تعامله "الناعم" مع التوسع العسكري التركي المهدد لأعضاء الاتحاد الأوربي والمزعزع للاستقرار في منطقة شرق البحر المتوسط، إلى فرض عقوبات ذكية بحق الأشخاص التركيين الذين شاركوا في أعمال البحث (تُعرف داخل الاتحاد باسم إجراءات مقيّدة) كجزء من سياسته الخارجية والأمنية المشتركة، لكن الاتحاد الأوربي قرر في منتصف شهر يوليو عام 2020 تعليق المفاوضات حول اتفاق النقل الجوي الشامل مع تركيا ووقف اجتماعات مجلس الشراكة والاجتماعات رفيعة المستوى مع تركيا في الوقت الحالي، كما وافق على اقتراح المفوضية بتخفيض مساعدات تركيا قبل الانضمام لعام 2020 ودعا بنك الاستثمار الأوروبي إلى مراجعة أنشطة الإقراض في تركيا.

ونظرًا إلى افتقار الاتحاد الأوربي لقوة عسكرية مشتركة، يعتبر العديد من القادة الأوربيين العقوبات أنها سلاح السياسة الخارجية الأقوى في حوزة الاتحاد ولكن يجب أن تحظى سياسات العقوبات في الاتحاد الأوربي بإجماع الدول الأعضاء في مجلس الاتحاد الأوربي، وهو الكيان الذي يمثل قادة الاتحاد الأوربي.

جَليّ أن العقوبات الشاملة التي فُرضها الاتحاد الأوروبي على إيران في عام 2012 كانت بمثابة نقطة تحول للاتحاد، الذي اكتفى في السابق بفرض عقوبات على أفراد وشركات محددة على سبيل العقوبات الذكية، فهل ينهج الاتحاد الأوربي تجاه تركيا العثمانية الجديدة ذات النهج؟