يقسم الناس في الغرب بالموت والضرائب على اعتبار أن كليهما أمر لا مفر منه. وفي الولايات المتحدة قبل نحو قرن من الزمان لم تتمكن السلطات من أشهر زعيم عصابة، آل كابون، رغم جرائم التهريب والقتل إلا بإثبات تهربه من دفع ضرائب.

كل ذلك يجعل قرار المحكمة العليا الأميركية بالسماح للنيابة في نيويورك بالاطلاع على سجلات الرئيس دونالد ترامب الضريبية أخطر من محاكمته البرلمانية لعزله من منصبه ومن كل التهم الجنائية التي تشيع عنه. إلا أنه، وحسب قرار المحكمة العليا، لا يتوقع الإفصاح عن السجلات المالية لترامب قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. وهكذا خفت احتمال إدانة ترامب بتهم تهرب ضريبي قبل إعادة انتخابه لفترة رئاسة ثانية، رغم تأكيد قرار المحكمة العليا على القاعدة القانونية بأن حصانة الرئيس الأميركي لا تنسحب على القضايا الجنائية.

ونقول إعادة انتخابه، لأن ذلك هو الاحتمال الأرجح عكس كل استطلاعات الرأي وما نقرأه ونشاهده في الإعلام الأميركي والتفكير بالتمني في أنحاء العالم الذي ينتظر خروج ترامب من البيت الأبيض نهاية العام.

قد يكون ترامب كما يقول عنه أهله وموظفوه قبل معارضيه في كتبهم الأخيرة، وبه كل الخصال السلبية التي تزدحم بها كتب عنه وعن فترة حكمه. بل قد يكون تعامله مع أزمة وباء كورونا وموقفه من العنصرية المؤسسية في البلاد كما يصوره كثيرون بأنه فشل ذريع. وحتى مع تردد بعض أقطاب الحزب الجمهوري الحاكم في الوقوف وراءه بقوة في حملة اعادة انتخابه، تظل فرصه أكبر للمكوث في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى.

مع ذلك، ففرص منافسه مرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن ليست بالقوة التي يصورها الإعلام واستطلاعات الرأي. وما يراه البعض فرصة لتحسين وضع الديموقراطيين نتيجة مظاهرات واحتجاجات رفض العنصرية منذ مقتل جورج فلويد على يد الشرطة قد ينقلب في الواقع لصالح ترامب.

يبدو الديموقراطيون، في انتهازيتهم السياسية، وكأنهم يدعمون الفوضى ويسلمون بما تقوم به الفصائل الراديكالية التي تأخذ غضبها من العنصرية والفاشية إلى حد استهداف المؤسسة ككل.

تستفيد تلك الفصائل من مزيج الوضع الاقتصادي السيئ نتيجة أزمة وباء كورونا التي زادت من حدة الانقسام الطبقي في المجتمع الأميركي مع تصاعد العنصرية والتمييز ضد فئات الشعب على أساس الجنس واللون.

وهذا بالتحديد ما يأكل من القاعدة الصلبة للديموقراطيين ويستغله ترامب بمهارة في خطابه الانتهازي أيضا بالتحذير من "الثورية اليسارية". والواقع أنه لا توجد ثورية يسارية في أميركا، بل على العكس قد يكون التطرف اليميني أكثر تجذرا هناك. وتلك هي القاعدة الصلبة من الناخبين المؤيدين لترامب، والذي يذهبون إلى حد اعتبار الاتهامات له بالتحرش وتهربه من الضرائب "جدعنة وشطارة".

بسرعة، استفاد ترامب من الوضع رغم أخطاء سياسته ومواقفه بتخويف الأميركيين من عدم سيادة القانون إذا سمح للفوضويين بالسيطرة. وجاءت خطاباته الأخيرة ليصور نفسه على أنه حامي القيم الأميركية والتراث الأميركي في وجه من يريدون تخريبه وتشويهه. ومع أنانيته ونرجسيته الشديدة بدا خطابه أفضل من ميوعة الديموقراطيين في موقفهم من الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة للعنصرية. حتى الفصيل اليساري في المعسكر الديموقراطي يحاول أن ينأى بنفسه عن راديكالية جماعات تقود الاحتجاجات.

أهم ما برز في حملة ترامب الانتخابية مؤخرا هو الحديث عن "الأغلبية الصامتة"، أو كما كان المصريون يصفون أغلبية الشعب في مظاهرات واحتجاجات 2011: "حزب الكنبة". هذه الأغلبية الصامتة قد لا تصدق ترامب، وتدرك كذبه ونرجسيته وانتهازيته. لكنها في النهاية يهمها من يحقق لها الحد الأدنى من المصالح عمليا. وهذا ما يبرع فيه ترامب: "أنا رجل أنجز المهمة".

ودعك من تحليلات تتوقع نتائج التصويت على أساس الأجناس: أن الأميركيين الأفريقيين، أو الملونين عموما لن يصوتوا لترامب لذا دفع بصديقه مغني الراب كاني ويست للترشح ليفتت كتلة تصويت جنس معين. كل هذا يبدو في الواقع مجرد "تحاليل" تشبه حديث كثير من المحللين والخبراء في قضايا ليسوا "خبراء" فيها.

الأرجح أن يفوز ترامب بمهارة استغلاله للقضايا الساخنة المتعلقة بالأجناس، حتى لو كان موقفه منها ليس مثاليا كما هو الواقع. وربما يختار الأميركيون إعادة انتخابه لأنه حافظ على اقتصاد البلاد قويا رغم الأزمات ويقدم نفسه أيضا حاميا للنظام ومدافعا عن سيادة الوطن وأمنه.