"لو" كلمة مُقلقه في القاموس السياسي العربي لأنها دائما ما تأتي مقرونة بتباين في أمر، ودائما ما تنتج حالة من التجييش الإعلامي انتصاراً لموقف ما، ولو على حساب مبدأ، وهذه الحالة شبه عامة عربياً وذات تأثيرات سلبية نتيجة تسيد ثقافة إعلامية ذات هوية قُطرية تحولت إلى عربية.

رحم الله فارس الدبلوماسية العربية الأمير سعود الفيصل، فقد كان المجدد لأعرافها وأدواتها وأهمها (الدبلوماسية خارج أطر الغرف المغلقة) وبذلك أسس لمبادئ إدارة العلاقات والتباين، والتي كان لها عميق الأثر في إدارة ملفات بالغة التعقيد من البحرين إلى أبعد من مصر.

وفعلاً كانت الرياض "مسافة السكة" من كل الملفات والقضايا العربية حتى وإن كان ذلك على حساب مصالحها في أحيان كثيرة.

وها هي اليوم أكثر حضوراً وتأثيراً على الساحة الدولية وحتى مع استمرار التباين السلبي معها في إدارة بعض الملفات، لذلك بات لزاماً على الكتلة الممثلة بالمملكة العربية السعودية الاستمرار في الدفع باتجاه تصفير الملفات خلافاً لإرادة "المتباينين" في استدامة الأزمات كما يرتئيها سادة التباين.

والأمثلة على تلك النجاحات كثيرة من اتفاق الشرعية اليمنية مع المجلس الانتقالي برعاية سعودية إماراتية إلى اتفاقية منطقة الإنتاج المشتركة مع الكويت.

وإذا أردنا المزيد من النجاحات الخليجية في إعادة التموضع دوليا، فما علينا إلا قياس نتائج ما حققته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين نتيجة مبادراتها في دعم ثقافة التسامح الانساني، والتي أسهمت بشكل فاعل في بناء جسور إنسانية وغير تقليدية مع المؤسسات الروحية وعلى رأسها الفاتيكان.

وهذا الانفتاح الإنساني والثقافي هو التجسيد الحقيقي والواقعي لرؤية تنتسب إلى لمستقبل وليس إلى الماضي، وربما الوحيدة غير القابلة للتباين فيها أو تفعيله أداة اختراق.

التباين العربي هو أداة جر استُثمر فيها من قبل أطراف عربية وقوى كبرى لاستدامة حالة عدم الاستقرار وفي تعليق الملفات من سوريا إلي ليبيا وصولا لليمن. فأن لم ينجح واضعي مشروع الربيع العربي في الوصول به إلى غاياته في إعادة صياغة الجغرافيا السياسية للعالم العربي بفضل موقف الكتلة الحرجة بقيادة المملكة العربية السعودية إلا أن التباين أدى لإدخالها مربع الاستنزاف السياسي على حساب المصالح القومية للكتلة.

ولنتناول ليبيا مثالا، فهل كان قرار الاعتراف بحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج سليماً، وهل تغيب نقاش ذلك بشيء كبير من الشفافية الإعلامية أن تعذر ذلك سياسيا أمر مقبول بدلٍ عن وصلات الهلع الإعلامي من لجوء السراج إلى تركيا أردوغان.

الرأي العام العربي (وليس الشارع العربي كما درج على تسميته) يستحق نصيب أكبر من الشفافية حيال شؤونه العامة، ولم يعد مقبولا قراءة أخباره من مصادر دوليه في حين تستثمر دولنا الكثير في إعلامنا وطنيا.

ولنا أن نتصور حجم الطاقة المهدرة بتغيب الرأي العام في التعاطي مع التباينات قبل تحولها إلى أزمات، والأزمة القطرية أكبر مثال، فحتى الرأي العام العالمي بات يزدري منظومة إعلامنا من حيث المصداقية لأننا نستقي أخبارنا منه لا العكس، والأدلة على ذلك كثيرة ولنأخذ أحد الأمثلة، وليكن الناتو العربي والموقف من الوساطات العربية أو المبادرات الاقتصادية الكبرى، وهنا للأسف سنجد أن المصادر أغلبها دولي.

بات أمر اختبار قدراتنا في مخاطبة العالم تستلزم توظيف مقدرات وقدرات مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية، والبناء على نجاحات مثل "إكسبو دبي 2020"، وموسم الرياض، ورائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري، ومغنية الاوبرا السعودية سوسن البهيتي في التأسيس لجسور وقواعد القوة الناعمة في مخاطبة الرأي العام العالمي.

أما الاستمرار في تقديم العالم العربي عبر ملفاته السياسية فقط فأنه لن يحقق الحضور الثقافي أو الإنساني المطلوب دوليا أو في تحقيق ثقل الضغط المطلوب لاختراقات سياسية، ولذلك على دولنا أولا تطوير مفاهيمها لأدوتها غير السياسية المباشرة والانغماس بشكل أكبر في تعميق ثقافة الثقة بوعي مواطنيها ومكاشفته في الحدود القصوى الممكنة من تفاصيل العلاقات البينية مع العالم أو ترك ذلك لإعلامنا ليكتشف موقعه من الإعراب وطنياً ودوليا.