في خضم معترك تهيئة متطلبات التصويت لطرح الثقة في الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، فاجأ الأخير خصومه، ونسبة غير قليلة من مؤيديه، بإعلان في غرفة تبديل الملابس في استراحة بين الشوطين في مباراة لكرة القدم الأميركية بين فريقي الجيش والبحرية.

وأفسح الإعلان المجال لوزير الدفاع مارك إسبر ليفصح عن تغيير جذري في سياسة التعامل مع الرياضيين الموهوبين من طلبة الكليات العسكرية، مفاده أنه بات بمقدورهم تأجيل الخدمة العسكرية لتأسيس خط مستقل من العطاء الرياضي يعود عليهم بالثروة، مع إمكانية تأجيل الخدمة العسكرية إلى ما بعد تحقيق ذلك الطموح، إذ يضيف ترامب على كلام إسبر عبارة: "ستذهبون وستكونون ثروة"، وهذا درس للعمل الإيجابي البناء المتزامن مع إدارة الأزمات.

يشكل معظم منتسبو القوات المسلحة الشريحة الأكثر حاجة لرعاية الدولة والأقل مواردا لتحقيق ذاتها باستقلالية نسبية أو شبه تامة.

وفي الولايات المتحدة تشكل هذه الفئة والأسر والفئات المجتمعية الأخرى الماثلة وراءها عددا معتبرا من الناخبين الواجب استرضاؤهم.

إن توحد ترامب وإسبر، ومن ورائهم الحزب الجمهوري، في تحقيق طموح الموهوبين من رياضيي الجيش في الاحتراف وتحقيق الاستقلال المادي وإعالة وإرضاء من يعولون، ثم تسديد الدين للدولة عن طريق القيام بالجولات العسكرية اللازمة، والتي إن ذهب ضحيتها أحد هؤلاء، فإنه يذهب ذهاب الأبطال الذين يرثون التكريم ويورثون المجد والثروة إن هم حققوها.

لقد لخصت هذه المبادرة جزءا كبيرا من الحلم الأميركي لمن يعتمدون الموهبة الجسدية الرياضية طريقا للنجاة من براثن الفقر والتهميش، وبرعاية المؤسسة المشبعة بالوطنية ورعاية مصالح الدولة العليا: القوات المسلحة.

هذا درس، للقيادات بشكل عام، وللقيادات الحزبية والفئوية العاملة في النطاق العام المحتوي والراعي للجميع – غير الإقصائي – ليبادر بتسجيل موقف يخدم الشرائح الكبيرة من المجتمع، لا لينتصر في المعارك العابرة أو ليدير الأزمات الراهنة فحسب، وإنما ليسجل للوطن – باسمه واسم داعميه – أنه قدم لشريحة واسعة من المواطنين امتيازا ثمينا لصالحهم أولا، ونكاية بالمنشغلين بالمهاترات أنهم فوتوا على أنفسهم فرصة كسب العقول والقلوب.

مثل هذه المبادرات المدروسة، والتي تصب في المصلحة الاقتصادية للمواطن الأميركي ومن ورائه دولته، هي التي تصنع رصيد الأمان والثقة للقائد السياسي لدى عامة الشعب، وهي بالتالي استثمار للولاء، وعرض لرباطة الجأش على مستوى القائد، وتأكيد للتماسك والدعم على مستوى حزبه وفئته.

للعرب في إرثهم التاريخي والثقافي والعقيدي أيادٍ بيضاء وأمثلة ساطعة على تطييب الخواطر وزرع الأمل في مصير أفضل للناس، وهو ما يمكن أن يستفاد من تطبيقه أكثر لدحض التشكيك من قبل زارعي التذمر من مؤججي الخلافات الشعبية-الحكومية، أو لتحييد واستباق ما يمكن أن يعده ويستخدمه خصوم الخارج ذخيرة معنوية ضد وحدة الصف، والتراجع أو التأخر المؤقت لبعض أشكال الازدهار في الداخل لأي ظرف كان.

إن المثال السابق، مهما جاءت العواقب الأخرى، هو تشخيص إيجابي وربما حل أخير يسجله التاريخ تحت بند "سير القافلة رغم النباح".