تعاملت مع واقع وحال الدولة الفاشلة، وهو ما حفز الرغبة لدى العراقي واللبناني، في الانعتاق من الارتهان لمشروع، فشل في تحقيق نموذج دولة تفوق دولة ما قبل غزو العراق، أو ما بعد الحرب الأهلية في لبنان.

حتى الشعوب الإيرانية باتت تدرك أهمية التوحد في حراكها، لإسقاط نظام ولاية الفقيه، إلا أنها في الوقت نفسه تعي أن العنصر الفارسي قد يفاضل لاحقاً في معادلة التغيير إن هو أحس بالتهميش انطلاقاً من سمو عرقه وإرثه التاريخي.

يبدو أن ذلك كان الدافع لدى مريم رجوي، رئيسة الجناح الأكبر في المعارضة الإيرانية، إن وعدت بالحكم الذاتي للأقليات مخافة التفسخ العرقي للدولة.

تلك النقطة تحديداً ونقاط أخرى ناقشتها مع بعض مسؤولي مجاهدي خلق (عن بُعد) منذ مؤتمر المعارضة في فرنسا عام 2016، وتناولت محاور النقاش أمرين: الأول الموقف من الأقليات غير الفارسية (الأحواز وبلوشستان)، أما الآخر، فهو موقف المعارضة من القضايا الخلافية مع دول مجلس التعاون، وعلى رأسها الجزر الإماراتية المحتلة، والكيفية الواجب اتباعها من قبل المعارضة الآن، في إيصال رسائل خاصة وعامة، لجوارها الخليجي حول تلك القضايا الخلافية.

قد يتطور الحراك الإيراني، ليصبح أحد المؤشرات الكبيرة على قرب سقوط نظام ولاية الفقيه، بشرط  وصوله لحالة الكتلة الحرجة اجتماعياً، إلا أن الأخطر هو تزامن هشاشة النظام والمعارضات الإيرانية. فهشاشة النظام هي نتيجة لفشله في إنجاز الدولة الوطنية، في حين تتمثل هشاشة المعارضات في الاتفاق على التعريف بالنظام السياسي للدولة بعد سقوط النظام، فهل سيكون جمهورياً أم ملكيا؟.

فالملكيون بقيادة رضا بهلوي، يعولون على ثقل الولاء الإيراني في المنفى -الولايات المتحدة تحديداً- وما يمثله من ثقل اقتصادي وسياسي أميركياً. في حين يعمل تنظيم مجاهدي خلق، على تحفيز كل الأقليات للانضواء تحت لواء مريم رجوي، ذات الحضور الأوروبي تقليدياً.

قد يحفز جسر الهوة هذه بين المعارضات الإيرانية، المجتمع الدولي على تخطي الحاجز المعنوي في دعم الحراك ضمنياً، والأهم من ذلك تحوله إلى المُسرّع المفقود في محركات الدفع إلى الحالة الحرجة إيرانياً. لذلك قد يمثل تفكير تلك المعارضات لإصدار ميثاق مبادئ مشترك، ما يفتقده الرأي العام الإيراني، للاطمئنان على شكل الدولة، ولإثبات قدرة الفرقاء على التصالح مع تاريخهم الوطني المشترك.

يتمثل التحدي الموازي في قبول الكبار بالخسارة الجزئية خياراً، بدل الانزلاق لحالة جديدة من الاستنزاف السياسي، في جغرافيا عالية الهشاشة. لذلك على الولايات المتحدة عدم افتراض انفرادها بالحالة الإيرانية، لأن بكين وموسكو أثبتتا نجابة التتلمذ في فضاء الأحادية القطبية، ولفشل استراتيجية الولايات المتحدة في استدامة الاستقرار القائم على الحدود الطائفية لا الوطنية، في الشرقين الأدنى والأوسط.

لذلك يتم التخلي عن نظم التوازنات تلك، بإرادة جماعية من قبل العراقيين واللبنانيين، ومن المؤكد أن الشعوب الإيرانية لن تقبل بمخرجات الاستنزاف أو فشل المعارضات، في التوصل إلى تفاهمات وطنية. كانت الجامعات والبازار أهم محركات الثورة الإيرانية، التي أطاحت الشاه قبل أن يختطفها الملالي، ومن المرشح -في ظل غياب موقف موحد للمعارضات الإيرانية- أن يلجأ الحراك لإنتاج قياداته، خصوصاً بعد ارتفاع عدد الضحايا وقت كتابة هذا المقال إلى سبعة وعشرين قتيلاً، وتهديد النظام باستخدام القوة في إخماد الحراك.

إن كانت محركات الشعوب اليوم في الانعتاق، بؤس النظم الفاشلة أو القسرية، فستختلف محركات الغد إن استمر العالم في تجاهل استحقاقات العدالة الاقتصادية عالمياً، أو ما قد تستدعيه الاختلالات البيئية، نتيجة مظاهر الاحتباس الحراري من حروب وأزمات، لفشل النظام الدولي وليس دولاً بعينها.