التحولات السياسية الكبيرة، استحقاق طبيعي لتراكمات فشل الدولة، وهذا ما يحدث في العراق ولبنان الآن، بعد أن سقطت منظومة الدولة في وجدان المواطن.

فالاحتمالات مفتوحة على تطور الحراك بأكثر من شكل، في حين يطمح الجيل الجديد من المحتجين، إلى تنظيم عصيان مدني شامل، يكون العامل الكفيل بإحداث التغيير على غرار الحراكين الجزائري والسوداني.

قاسم الحراكات المشترك، العدالة الاجتماعية واستعادة الدولة، في حين تعتمد الأوليغارتشية السياسية المناورة، من خلال الوعود بحزم الإصلاحات الواهية، والترهيب من الفراغ السياسي. ومع تفاوت نتاجات الحراك، إلا أن كلاً منها محكوم بمحركاته الخاصة، في الوصول إلى حالة الكتلة الحرجة المطلوبة وطنياً.

تتشارك الحالتان اللبنانية والعراقية، في موقفهما من تسلط الطغمة الإيرانية على المعادلة السياسية وطنياً، مما قاد على مدى عقود، إلى استدامة حالة الدولة الفاشلة، مستمدةً من تسخير المظلومية الشيعية كأداة. إلا أن الحالة اللبنانية استطاعت اختراق الحدود الحاكمة للمعادلة السياسية القائمة على حدود طائفية وعرقية، لذلك هي الأقرب للوصول بحراكها إلى حالة العصيان المدني التام والمنضبط. إلا أن الحراك العراقي، رغم الإجماع الوطني على مطالبه، يبقى محصوراً في المناطق الشيعية، مخافة المناطق الأخرى من أعمال انتقامية، في حال فشل الحراك. يُقرأ ذلك بشكل جليّ في الخطاب المتلفز لرئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي فجر الجمعة، عندما استحضر اسم ومكانة المرجع السيستاني أكثر من مرة، في محاولة استباقية لاحتواء حراك الجمعة.

التخويف من الانزلاق إلى حالة من الفراغ السياسي، هو ما تعتمده الأوليغارتشية السياسية في العراق ولبنان، وكأنها النموذج السياسي الأمثل في المنطقة، وحتى ما صاحب التحذير من وعود بالإصلاح والمحاسبة، فشل في حلحلة موقف الميادين الرافضة لها. ربما يكون التحول الوحيد هو استبدال حسن نصرالله راية الحزب بالعلم اللبناني أثناء خطابه الأخير، فهل كان الحاكم الفعلي للبنان، يحاول مخاطبة المؤسسة العسكرية، بعد تحول الجيش إلى موقع الظهير للحراك. ليست المؤسسة العسكرية فحسب هي التي تحاول التنصل من إرث الأوليغارتشية، بل سارعت الكنيسة ومفتي الجمهورية إلى تبنّي مطالب الحراك.

لم تكن استدامة حالة الدول الفاشلة، نتيجة ثقافة الخوف وحدها، ولا نتيجة عوامل بنيوية خاصة بلبنان والعراق، أو نتيجة توازنات إقليمية، إنما حدثت نتيجة رؤية معتلة، من قبل قوى دولية كبرى، افترضت أن تصحيح مسار التاريخ الإسلامي طائفياً، قد يكون الحل في فرض عملية التصالح مع التاريخ. لذلك دفع لبنان والعراق تلك الأثمان الباهظة، ولم يحقق ذلك الرهان الاستقرار ولا التصالح مع التاريخ، بل أسهمت الحالة في ظهور نمط غير مسبوق من التجريف الديموغرافي في هذه الدول، عبر الهجرة أو التهجير.

في حال تخلي المجتمع الدولي عن الوقوف مع المسار الصحيح للتاريخ في لبنان والعراق، ستمر أوروبا والشرق الأوسط بتجربة أشد قتامة من الحرب على داعش أو زوارق اللاجئين.

دعم الحراك المدني، مسؤولية الجميع، لأنه حراك أخلاقي ومتجانس مع الإرادة الوطنية اللبنانية، وهو كذلك الموقف الصحيح في العراق، بعد أن كان الغزو لرفع الاضطهاد عن شيعة العراق، وهاهم اليوم يقتلون على يد الأوليغارتشية الشيعية، بشكل أكثر وحشية من داعش.

سيمثل سحب الاعتراف السياسي بهذه الأنظمة الآن، التكلفة الأقل في حال تخلي العالم عن هذه الثورات الإنسانية. أما في حال فشل المجتمع الدولي وتدخل إيران بشكل علني، فسيصبح من المستحيل قبول احتواء الموقف سياسياً، إن تحولت لبنان أو العراق إلى حقول للقتل.